* عندما يقول الرئيس البشير إن العلاقة مع مصر ليست خياراً وإنما )فرض عين(، فإنه يلخص بتلك العبارة القوية توجه السودان الرسمي والشعبي تجاه المحروسة، ويؤكد بها عمق الصلات التي تربط البلدين، وتضعها في مأمن من الاهتزاز، مهما تداخلت عليها تقاطعات السياسة والمصالح.
* كان لي شرف حضور توقيع اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية، التي أنجزت خلال زيارة البشير لمصر قبل عامين من الآن.
* وقتها دعت الحكومة المصرية البشير لحضور احتفالاتها بذكرى حرب أكتوبر، فشهد العرض العسكري الذي أقيم في بورسعيد، وتم تكريمه فيه بنجمة الإنجاز العسكري، التي تمثل أرفع أوسمة الجيش المصري، تقديراً لمشاركته في حرب العبور.
* صدر قرار حظر استيراد المنتجات الزراعية المصرية قبل أيام قليلة من تلك الزيارة، وأذكر أن الرئيس السيسي عاتب البشير داخل قصر الاتحادية برقّةٍ، متسائلاً عن مسبباته، فجاء رد الرئيس مفحماً، بالحديث عن أن السودان لم يبنِ قراره استناداً إلى تقارير أمريكية أو أوروبية، بل اتخذه بناءً على تحقيقات مُصَّورة، وإفادات مُوثَّقة بثها التلفزيون المصري الرسمي، وأثبت بها أن تلك المنتجات تُروى بمياه الصرف الصحي، فصنع حالة من الرفض الداخلي لها، ألزمتهم بحظرها.
* عمَّر الحظر عامين، شهدا توتراً لا تخطئه عين، بدرجةٍ استدعت من الخرطوم سحب سفيرها عبد المحمود عبد الحليم من القاهرة، بخطوة غير مسبوقة، عبرت عن مدى الضيق الذي اعترى الحكومة السودانية من إقدام الحكومة المصرية على دعم الحركات الدارفورية المسلحة بالسلاح والعتاد، قبل دخولها إلى السودان من الحدود الليبية، وتدميرها بواسطة الجيش والدعم السريع.
* من الواضح أن الطرفين أدركا أن لا مناص من اتباع دبلوماسية )كف الأذى( في الطريق إلى استعادة العلاقة لعافيتها، وقد اكتمل التعافي بحمد الله.
* رفع الحظر عن المنتجات الزراعية المصرية توج الاجتماع الأخير للجنةٍ كانت محصورة على المستوى الوزاري، قبل أن يقرر الرئيسان ترفيعها إلى المستوى الرئاسي، بإشرافهما عليها مباشرةً.
* تبادل المنافع سيشمل الربط الكهربائي، ومحصلته تصب في مصلحة السودان، لأنه سيضيف به ثلاثمائة ميغاواط لشبكةٍ تعاني عجزاً مؤثراً في الإنتاج، ومن المتوقع أن يرتفع المردود إلى ثلاثة آلاف ميغاواط، تقارب في مجملها ما ينتجه السودان من الكهرباء.
* تلك الثمرة الحلوة تحمل رداً على التساؤلات المتعلقة بمكاسب زيارة السيسي للسودان، لأن الكهرباء تمثل الداعم الأول للإنتاج في القطاعات الزراعية والصناعية الخدمية.
* لا يوجد مبرر للتخوف من عدم مطابقة المنتجات المصرية للمواصفات، ومن احتمال إضرارها بالصحة العامة، طالما أننا نمتلك هيئة متخصصة، مهمتها فحص كل الواردات التي تدخل السودان من الخارج.
* يبقى السؤال عن مصير بقية الاتفاقيات الأخرى قائماً، لأنها شملت مجالات التعليم والصحة والثقافة والرياضة والصناعة والخدمات، ولم تشهد تفعيلاً يذكر، كي تتكامل بها الأدوار، وتنمو بها العلاقة وتزدهر، وتمنع أي توتر مستقبلي بين الأشقاء في جنوب الوادي وشماله.
* من المهم أن تنتقل تلك الاتفاقيات من الورق إلى أرض الواقع، وأن تحظى بنصيبها من التنفيذ، كي تثمر وتفيد بلدين تربطهما علاقة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ.
* وضح من أجواء الحفاوة التي استقبل بها الرئيس السيسي، ومن تكوين وفده الذي ضم معظم أعضاء مجلس الوزراء المصري، أن العلاقة عبرت مطبات الخلاف، وتجاوزت كل محطات التوتر، وحلقت فعلياً في أجواء شراكة استراتيجية فعالة، نرجو لها أن تزدهر أكثر في مقبل الأيام.