)1(
على حسب الوارد من الأخبار أن السيد رئيس جمهورية مصر المشير/ عبد الفتاح السيسي سيكون غداً في الخرطوم على رأس وفدٍ كبيرٍ لإجراء مُباحثات مع نظيره السوداني المشير/ عمر حسن أحمد البشير، وبقية الوفد سيجري مُفاوضات مع نظرائه من السودانيين.. بالطبع هذه ليست أول زيارة للمشير السيسي للسودان، فقد سبقتها زيارات وزيارات وقد تعقبها زيارات وزيارات، وكذا بالنسبة للمشير/ البشير فهو من زُوّار مصر، فأكثر ما يُميِّز العلاقة بين البلدين هو كثرة الزيارات الرئاسية حتى في لحظات التّوتُّر التي تَعتري تلك العلاقة نجد هذه الزيارات المُتبادلة قائمة.. فهذه الزيارات قد تطفئ لهيباً، وقد ترجئ عراكاً، وقد تطيب خاطراً، وقد ترسم أملاً، وقد تدفع بعض النوايا الطيبة.. ولكن أن تغيِّر مسار العلاقات وتُحوِّلها من تكتيكية إلى استراتيجية، ومن كلام إلى فعلٍ، ومن أمنيات إلى واقع.. الله أعلم.
)2(
مُنذ أن غزا مُحمّد علي باشا السودان مشكوراً مأجوراً في 1821 )طبعاً لأنّ الغزو على الأقل كان جُزئياً بدعوة من سُودانيين( إلى يوم النّاس هذا ظَلّت العلاقات بين البلدين )تمشي اتنين وترجع تلاتة( لافتقارها للمرجعية ولا يَعرف مَا يَحكمها هل المَصلحة المُتبادلة؟ هل السيطرة والتبعية؟ هل الأمزجة الشخصية للحُكّام؟ هل العالم الخارجي حول البلدين؟ هل الإقليم الذي يقع فيه البلدان؟ هل… وهل…؟ والأسئلة تترى وتتراكض بحثاً عن إجابة.
يُمكننا أن نقول إنّ )الدرب رايح( للعلاقة بين البلدين، بعبارةٍ أُخرى أنّ البلدين وطوال هذه القُرُون ظَلا يبحثان عن طَريق يَعبر بهذه العلاقة.. فالبلدان فشلا أن يكونا جارين مُتوادّين، مُتحابّين، مُتداخلين، مُتكاملين.. وكذا فشلا أن يكونا عدوين لدودين مُتخاصمين، مُتحاربين.
)3(
في تَقديري، إنّ قدر البلدين ألا يكونا جَاريْن عاديين مثل السودان وتشاد أو مصر وليبيا، فإمّا أن يكونا مُتقاربين مُتداخلين أو مُتباعدين مُتخاصمين وذلك بسبب النيل نعم النيل الواحد دا.!
قد يقول قَائلٌ ما أكثر الدول المُتشاطئة على نهرٍ واحدٍ في العالم.. نعم هي كثيرة لكن النيل )سليل الفراديس( أمره مُختلفٌ، فهو في مُعظمه ينبع من خارج البلدين، والبلدان أحدهما دولة ممر وتغذية، وأُخرى دولة ممر ومصب، أمّا المنبع فبعيدٌ عنهما وهذا سبب التعقيد وسبب تميز وتفرد العلاقة بين البلدين وجعلها إمّا أن تمضي إلى الأمام فتزدهر وتنمو، وإمّا أن تَمضي إلى الخلف فتتقهقهر وتموت.!
إنّ المرء ليستغرب كَيف تَستمر هذه العِلاقة المُتأرجحة بين البلدين طِوال هذه المُدّة دُون أن تسيل فيها الدماء، ودُون أن تَختلط فيها الدماء، هل هذه مهارة، أم سر، أم بركة مُودعة في هذا سليل الفراديس؟!
)4(
ليت الرئيسان غداً يُقرِّران الاكتفاء بالنيل والانكفاء على النيل، بمعنى يُحرِّران العلاقة بين البلدين من كل الأبعاد، اللهم إلا النيل خلُّونا من أمة عربية وخلُّونا من أفريقية وخلُّونا من ذلك التكتل وخلُّونا من هذا التحالف وخلُّونا من ذياك الاصطفاف، أبقوا على هذا النيل سليل الفراديس، اذهبوا معه شرقاً الى تانا وغرباً الى فيكتوريا، كونوا تكتل حوض النيل، اجعلوا كل الأرض من البحيرات الى البحر الأبيض المتوسط خضراء بالقمح وزهرة الشمس والقطن والتفاح والموز والمنقة، يرتع فيها الإنسان والحيوان والسمك والغزلان وحاجات تانية حامياني.!