:: أسعار هذا العام تتراوح ما بين (6.000/9.000 جنيه).. وبالتزامن مع الإعلان عن بيع خراف الأضاحي بالأقساط، وكالعهد بها دائماً طوال عقود النظام المخلوع، شرعت خطب الجمعة في الإفتاء بجواز هذه (الاستدانة)، أي الشراء بالأقساط.. وكما تعلمون، فإن بعض الشيوخ كانوا يتقنون تغطية كوارث النظام المخلوع بمثل هذه الفتاوى.. وبالإفتاء كانوا يغطون الأسباب التي ترغم السواد الأعظم على الشراء بالأقساط رغم أنهم سكان إحدى الدول الرائدة في إنتاج وتصدير الثروة الحيوانية.
:: فالأزمة التي كانت مخفية – في خطب الشيوخ – هي أسباب الفقر لحد عجز العامل عن شراء خروف الأضحى، ويجب البوح في عهد الحرية والسلام والعدالة، لأن (زمن الغتغتة والدسديس انتهى)، ولأن المواطن يجب أن يكون شريكاً في السراء والضراء مع حكومته. وما يجب أن تظل كل الخطب داعية إلى التصالح والتعايش مع أسباب الفقر بفتاوى الاستدانة و(خروف بالأقساط)، بل عليها حث المواطن على الإنتاج والسلطات على توفير وإصلاح مناخ الإنتاج.
:: ولسنا فقهاء، ولكن بالفطرة السليمة علمنا بأن الأضحية – كما الحج – لمن استطاع إليها سبيلا، أي للمقتدرين على الشراء بلا متاعب.. وأن دين الله الحنيف لا يلزم المسلم بأن يدخل ذاته وأسرته في دائرة الغارمين بحثاً عن ثمن الأضحية.. وفي الأثر الشريف، ضحى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لمن لا يملكون قوت يومهم وعامهم، حتى لا يرهقوا أنفسهم بالاستدانة ويصبحوا – بجانب الفقر – من الغارمين أيضاً.
:: ثم دين الله الحنيف يأمرنا بأن نستفتي قلوبنا أيضاً، وليس العلماء فقط، وهو دين يرتكز على الرحمة والاستطاعة.. والإفتاء بجواز الاستدانة والتقسيط قد يرهق الأسر المتعففة والتي قد تلجأ إلى الاستدانة – عملاً بالفتوى – وتصبح غارمة لكي تضحي.. وكذلك جمعية حماية المستهلك، وكأنها تعيش في كوكب المريخ، تطالب السلطات سنوياً بالتدخل وحماية المواطن من غلاء أسعار الأضاحي.. فالجمعية تنسى أو تتناسى أن السلطات – المطالبة بحماية المواطن من الغلاء – من أكبر أسباب هذا الغلاء.
:: وعلى سبيل المثال، إليكم بعض رسوم السلطات الملقاة على ظهر المواطن والخروف.. رسوم الولاية، رسوم التعليم، دمغة الجهاد، دمغة الجريح، رسوم الدعوة الشاملة، رسوم دعم الشرطة، الرسوم البيطرية، رسوم التفتيش، رسوم التنمية، رسوم مُباع، رسوم النفايات، ضريبة أرباح أعمال، رسوم البيطري.. هذه بعض الرسوم، وليست كلها.. يدفعها تاجر المواشي للسلطات.
:: وكل هذه الرسوم، وما خفي أعظم، يتم تحصيلها بعلم السلطات المالية، ولائية كانت أو مركزية.. وحسب إفادة تجار المواشي، فإن قيمة تلك الرسوم تعادل (25% من قيمة الخروف).. أي ربع القيمة، يدفعها المواطن مُكرهاً بواسطة تجار المواشي لخزائن السلطات.. ولذلك، صار من المعجزات أن يوفر المعلم والموظف والعامل قيمة الأضحية، فيلجأ للأقساط ويصبح من الغارمين!