واحدة من الاعراض الجانبية لكتابة عمود غير يومي ..ان المواضيع التي تود الكتابة عنها عندما يأتي دورك ..تكون (بردت) ..او حسم النقاش حولها ..وصارت مثل (حلة الرجلة البايتة ) …الجميع تذوقها بالأمس ولابد وضع صحن (مكرونة) معها في الصينية لزوم التغيير والتجديد..فتجدني في اغلب حالات كتاباتي ادندن بأغنية الراحل محمد احمد عوض (عندي كلمة أحبأقولها) .
ضج الناس ..والاسافير ..بحكاية المناهج ..واستقالة القراي …وقبل ان يجف حبرها ..نما الى سمعي ان وزير التربية والتعليم قد تقدم باستقالته أيضاً ..وانشغل الناس عن المناهج وقصة لوحة مايكل انجلو ..باستقالة القراي وتفاصيلها …وتضاربت الأنباء ..عن قبولها او رفضها ..الخ ..الخ ..
طوال الوقت ..خلال احتدام معركة النقاش ..وسخونتها ..كنت أتابع بصمت وعقلي يعمل بأن هناك نقطة ما ..مفقودة ..(في شئ غلط ..بس وين ما عارفة) ..خلال تلك المدة قرأت واستمعت لكل الاطراف ..اولئك الذين ذهبوا بعيداً في تفسير غلاف الجغرافيا ..وجعلونا نتعجب لتفسيرات لم تخطر على بالنا ونحن كبار دعك من الاطفال الصغار ..مما دفعني للتفكير (يا ربي نحن ما عندنا مرحلة طفولة في البلد دي وألا شنو ؟؟ ) ..غايتو زمن عجيب ..المهم ..فجأة قررت لمبة عبقرينو في رأسي ان تضئ وتهمس في اذني ..( بخت الرضا )..
حينها صرخت كما ارشميدس (وجدتها وجدتها) ..المعضلة الأساسية يا سادة يا كرام ..وما يحلي الكلام الا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام ..كان ياما كان المحروسة الانقاذ ..اول شئ فعلته ..كان هو التدخل في مسيرة التعليم ..فماذا فعلت ؟؟ ..قامت بالغاء صلاحيات بخت الرضا ..وهو الجهة المسؤولة التي كانت تتحمل عبء المسؤولية ليس فقط عن وضع المناهج ..ولكن دراستها وتجربتها على فئة صغيرة من الطلاب ..وتنقيحها وتصحيحها ..وكذلك تدريب المعلمين عليها ..اذ ليست كل المعلومات كانت موجودة في كتاب التلميذ وانما يتم تفسيرها واسنادها بكتاب المعلم المدرب المؤهل .
عندنا في الابحاث العلمية اذا اردت اجراء بحث كبير يتطلب مقدرة مادية ومعملية ..فانك تقوم باجراء بحث مصغر بعينات رمزية ..ليعطيك ملمحاً عن النتيجة المتوقعة عندما يتم تطبيقه على اعداد كبيرة ..وهو ما نطلق عليه اسم ال( pilot stuy) ..هذه العملية كانت تقوم بها بخت الرضا بكفاءة عالية ..ودون ان نحس بها ..لذلك درسنا مقررات فيها قصص عن الفاروق عمر بن الخطاب وصنم العجوة الذي كان يعتقد انه ربه ..واكله حين مسغبة .. قرأنا عن الشعوب التي تعبد الاشجار و الحجارة ……طالعنا قصص الفارس والجميلة ..وجين اير ..قصة حبها لمستر روشتستر ..وقرأنا عن مايكل انجلو ودافنشي وفنون عصر النهضة ..وأيضاً قرأنا عن ابن سينا وابن خلدون وابن رشد والعصر الذهب للدولة الاسلامية .. ..وخرجنا في النهاية بحصيلة وافرة من المعرفة …وعقيدة سليمة لم تهتز .
ليه ؟ لأن المقررات كانت تصل الى الطلاب بعد طول تمحيص ودراسة …بعد تجربتها ورفع التقارير عن الصالح منها والذي يجب تدريسه وذلك الذي يمكن تأجيله ..لم نكن نعرف الفكر الايدلوجي لمن وضعها ..ولم يشغلنا يوما ما هذا الأمر …ذلك ان بخت الرضا كانت مؤسسة بحجم وطن ..لذلك كانت اول مقاصد الكيزان ..من أجل ذلك أقول في ختام مقالتي هذه ..ان أردتم اصلاح أمر التعليم في بلادنا …فاعيدوا بخت الرضا بكامل عدتها وعتادها .وصلاحياتها …واتركوا الأمر لها كما كان من قبل ..هذه هي كلمتي التي كنت (أحب أقولها) واتمنى الا تكون قد اتت بعد فوات الأوان ..