ظلت قضية تهريب الذهب، عاملاً مهدداً لاقتصاد البلاد لزمن طويل وبالرغم من ان السودان هو ثالث أكبر منتج للذهب في أفريقيا، بعد جنوب أفريقيا وغانا، لكن لم يقتصر الأمر في ان الحكومة لم تفلح في الاستفادة من هذا المعدن النفيس وحسب بل فشلت حتى في الحد من الظاهرة الخطيرة، ظاهرة التهريب التي تنخر عظم الاقتصاد السوداني وتؤثر على الوضع المعيشي، وفشلت السلطات أكثر من مرة في تأمين الحدود، وانعدمت الرقابة على الموانئ والمطارات، وأصبح كل من تسول له نفسه تدمير الاقتصاد السوداني، عبر تهريب الذهب، يفعلها دون خوف عبر الموانئ او المطارات.
لكن أكثر ما أضر بالاقتصاد هو مافيا التهريب التي تضم شركات تعدين محسوبة على نافذين في الدولة البائدة وهي تسيطر بشكل كامل على تجارة الذهب لكن لم يتوقف الامر بزوال حكم المخلوع اوبعد ثورة ديسمبر المجيدة، بل ظلت شخصيات أخرى تقوم بهذه المهمة دون ان تخطو الحكومة خطوة جادة لمواجهة بعض النافذين الذين يعملون في هذا المجال.
وبالأمس أعلن وزير المالية د. جبريل إبراهيم عن ضوابط جديدة لتصدير الذهب، وشدد على ضرورة وضع خطط بديلة لتنظيم أعمال التعدين، وعقد وزير المالية اجتماعاً مع مدير إدارة الجمارك الفريق بشير الطاهر ومدير الشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول، بحضور وكيل الوزارة آمنة أبكر، وقالت المالية في بيان صادر عنها ،إن الإجتماع بحث سبل تطوير قطاع التعدين والاستفادة من قدراته الإنتاجية خاصة الذهب، وأكد جبريل وفقاً للبيان، على ضرورة وضع خطط جديدة لتنظيم عمل تعدين الذهب والاستفادة من إمكانيات تعدين الأهالي، مع وضع الضوابط والآليات وسياسات تحكم صادر الذهب لاستقرار وتوحيد سعر الصرف.
لكن مالم يناقشه وزير المالية مع مدير ادارة الجمارك او تغافله سهواً او عمداً هو الحد من تهريب الذهب ونهبه وسرقته من قبل النافذين في الدولة، الذين ربما يكون مدير الجمارك الفريق بشير الطاهر هو الأدرى بهم أكثر من وزير المالية، فالخطر ليس في عدم تنظيم عمل تعدين الذهب، الخطر هو في الشخصيات (الكبيرة) التي تقوم بتهريب الذهب بطرق غير مشروعة، فهل ناقش جبريل مع الطاهر هذا الملف في اجتماعاته مع بشير المعلنة و( غير المعلنة)، هل بحث جبريل مع الطاهر تجارة الذهب من قبل المسؤولين في الدولة في لقاءاته بالطاهر إن كان بعد توليه منصب وزارة المالية او (قبلها) ؟!
أم ان جبريل سينتهج سياسة التستر على الذين يقومون بنهب الذهب وبيعه الى دول الجوار، كما تستر غيره في حكومة الفترة الانتقالية، بشقيها المدني والعسكري ليخرج الذهب ذهباً ويعود مالاً وسلاحاً، يستقوى به أصحابه على الضعفاء من الشعب الذي ظلت ثرواته تنهب بعلمه ودون علمه، وبشير الطاهر الذي ظل في منصبه (طويلاً)، هل يستطيع ان يفصح عن (أسرار ) ملف الذهب ويكشفها لجبريل أم ان جبريل تجاوز مساحات السمع وأصبح ( عائماً) في بحور العلم بالأشياء، التي ربما لا يفضل الغوص فيها الى أغوار أبعد من ذلك، لتستمر اللعبة كما كانت لا اختلاف فيها إن حدث ذلك قبل عهده او في عهده، وهنا يبقى السؤال قائماً الى أي مدى يمكن ان تقاس جدية الحكومة في تعاملها لحسم هذه القضية وهل قضية الذهب وعلته في تعدينه أم تهريبه ؟؟!!