بشفافية
حيدر المكاشفي
عفوا..رصيد الناس من الصبر قد نفد
سؤال وحيد لا ثاني له ظل يصفعني به كل من يلتقيني من غمار الناس فى شارع الله اكبر ويعرف سلفا صلتي بالعمل الصحفي، فهؤلاء الطيبون المساكين لديهم اعتقاد بأن الصحافيين يعرفون كل شيء بوصفهم من العالمين ببواطن الأمور والموصولين بمطابخ القرار الحكومي، ومؤدى السؤال الوحيد المتكرر برتابة مقلقة هو (حكاية الغلاء والرغيف والوقود والمواصلات والغاز والدواء والكهرباء دى شنو..ومتى تنتهي ونرتاح من معاناتها وشلهتتها)، ولم يحدث قط ولو بالغلط ان سألني سائل عن أي شأن آخر غير هذه الشؤون التي تنغص عليه يوميات حياته، وبالطبع لم يكن المسؤول الذي هو شخصنا الضعيف بأعلم من السائلين، ولم يكن لدي ما أرد به غير بعض المبررات المستهلكة من شاكلة تركة الدمار والخراب الثقيلة التي خلفها الكيزان والنهب المصلح الذى ولغوا فيه حتى (عدموا البلد نفاخ النار) وغيرها من مبررات الفساد والاستبداد التي صارت من المعلوم بالضرورة بل وكانت من اقوى اسباب اندلاع ثورة ديسمبر، ولا حاجة لي هنا للتذكير بأن هؤلاء الناس العاديين البسطاء يمثلون اكبر واضخم كتلة جماهيرية لها تأثيراتها الحاسمة، الا انني فى حاجة للتذكير بأن ما رصدناه ولاحظناه من شكوى وتضجر هذه المجاميع الكبيرة ان صبرهم على هذه الازمات الخانقة قد شارف على النفاد ان لم نقل قد نفد فعليا، وعلى الحكومة الانتقالية ان لا تكرر جلائط النظام البائد الذى كان فى لحظات الغيبوبة يتباهى بصبر الشعب عليه، وكان قادته يتنبرون بأن الشعب قد صبر وصابر معهم كما لم يصبر على غيرهم قط، وكانوا لغيبوبتهم وغفلتهم قد نسوا ان صبر الشعب مهما طال لابد له من نهاية وحدود، ونخشى على حكومة الثورة ان تراهن على ذات الرهان الخاسر..
لعله من نافلة القول الاشارة الى ان واحدة من أكبر وأخطر القضايا التي كان يفترض ان تضعها الحكومة الانتقالية على رأس اجندتها وتسهر عليها الليالي منذ لحظة تسنمها المسؤولية، هي بلا منازع قضية معاش الناس وتوفير الخدمات الضرورية من كهرباء ومياه ومواصلات ووقود ونقود ودواء ولجم هذا الغلاء المتفاحش والمتصاعد على رأس كل ساعة، فقد بلغ الناس أقصى وأقسى درجات الرهق والتعب والنصب من هذه المعاناة التي لا تنقضي، وكانت هذه المعاناة المتطاولة واحدة من أهم وأبرز محفزات الثورة على النظام البائد، وآن لهم بعد اقتلاع النظام الفاسد أن يتجاوزوا هذه الدوامة المهلكة، وواهم من يظن أن معاش الناس ليس بالأهمية التي تضعه على رأس وصدارة أجندة الحكومة، وانطلاقا من هذه الحقائق تبقى مهمة توفير احتياجات المواطنين الضرورية والاساسية وكبح جماح الاسعار وتخفيف وطأة المعيشة أمرا عاجلا ويستحق ايلاءه الأهمية الأولى والقصوى، ولكن يبدو ان الحكومة منكبة على ملفات اخرى تشغلها وتشل قدرتها عن بذل ما تستحقه قضية معاش الناس من جهد وبذل، وعلى كل حال تلك هي رسالة غمار الناس وبسطائهم الذين نلتقيهم في عرصات الحي وعرض الشوارع وباحات الاسواق نبلغها وما على الرسول الا البلاغ المبين..
الجريدة