(قد أختلف معك في الرأي ولكني مستعد ان ادفع حياتي ثمناً لحقك في التعبير عن رأيك)، هذه العبارة الحضارية البليغة ما بين القوسين سكها الكاتب والفيلسوف الفرنسي الشهير فولتير الذي عاش خلال عهد التنوير، ومناسبة العبارة تعود للخلاف الفكري الذي كان محتدماً بين فولتير وزميله ومواطنه الكاتب والفيلسوف الآخر جان جاك روسو الذي نبذ الحضارة والمدنية، وكان فولتير يناقض هذه الأفكار ويوجه لها انتقاداً لاذعاً بل وقابلها بالاستهجان وبعض السخرية، ولكن رغم تلك الخلافات بينهما الا أن فولتير استهجن وانتقد قيام السلطات السويسرية بمصادرة كتب روسو واحراقها ودافع عن حق روسو بابداء آرائه مهما كانت كما دعاه الى الاحتماء ببيته الريفي عندما كان معرضا لتهديدات كثيرة من خصومه..
من موقف مبدئي وقناعة راسخة لا تتزحزح بالحرية والديمقراطية، وقناعة أيضاً ودعم لا محدود لشعار الثورة الاساسي والمركزي (حرية، سلام وعدالة)، أعلن استيائي واستهجاني ورفضي بأقوى العبارات للذي جرى لرئيس حزب الأمة الامام الصادق المهدي ووفده المرافق من مضايقات وهتافات معادية وتشويش على لقاءاته الجماهيرية ومنعه من مواصلة الحديث التي وجدوها بمدينتي نيالا والجنينة اللتين زارهما الصادق لعقد لقاءات جماهيرية مفتوحة فى الهواء الطلق، ولا اظن انني وحدي في هذا الرفض والاستهجان لما جرى، يقيني أن كل مؤمن ايمان حقيقي بالديمقراطية وحرية التعبير هذا موقفه وتلك قناعته، وقد ظللت شخصيا على هذا الموقف الرافض لأيما تصرف متهور وغير راشد من أية جهة كانت أو أي فرد كان وفي أي شأن كان ، فمهما تكن درجة الحنق على الصادق المهدى وحزبه ومهما يكن حجم الخلاف، فإنه لن يكون من اللائق والمقبول أن تقابل الندوات واللقاءات العامة ومنابر التعبير بالعداء والهتافات المضادة والمنع من مواصلة الحديث، فذلك تصرف أقل ما يوصف به انه غير حضاري ومعادى لأحد أهم اهداف الثورة، وهو بلا شك عمل شائن ينبغي ألا يقابل بغير الاستهجان والإدانة ، نقول ذلك من موقف مبدئي ولن يستطيع أحد أن يزايد علينا فيه فلست من موالي حزب الامة ولا انصاره، بل أنني من اكثر اللذين وجهوا النقد مؤخرا للامام الصادق المهدي، كان ذلك هو موقفنا منذ حادثة خلع الصحافي العراقي منتصر الزيدي حذاءه وقذفه باتجاه الرئيس الامريكي الأسبق جورج بوش الذي كان لحظتها يخاطب مؤتمراً صحفياً بالعاصمة العراقية بغداد، وحين كنا أيامها ندين تلك الحادثة ونحذر من اتخاذها قدوة ومثالا، كان كثيرون من أهل الحكم البائد وحزبهم المحلول وكتّابهم وصحافيوهم يهللون لها ويقيمون الاحتفالات والتظاهرات المؤيدة لذاك الفعل الأخرق بل أن أحدهم أصدر كتابا يؤرخ للحادثة ربما ليعلم الأجيال القادمة كيف يرمون الرؤساء بالجزمة، وسبحان الله الذي يمهل ولا يهمل اذ تعرض رئيسهم المخلوع والمحبوس لذات الفعل الذي أيدوه واحتفوا به، كان ذلك حينما حاول المواطن عادل محجوب استنساخ تجربة الزيدي في قاعة الصداقة السودانية بالقاء حذائه تجاه المكان الذي يجلس فيه الرئيس المخلوع الامر الذي ادخل الجماعة لتناقضهم ليس فى فتيل بل فى (ضفورهم) ، وكان هو أيضا ذات موقفنا المبدئي حينما رمى أحدهم في لندن د.نافع بكرسي أتاه طائراً فشج رأسه واسال الدم في أنحاء متفرقة من القاعة المحتشدة بحضور من مختلف المشارب، ويبقى ما حدث لحزب الامة مرفوض ومدان ولابد من شجبه ولجمه حتى لا يصبح ظاهرة تسئ للتجربة الديمقراطية المنتظرة..
الجريدة