*لا غرابة في أن يخوض الشيخ عبد الحي يوسف في شؤون السياسة على المنابر، مع أنه أفتى بعظمة لسانه على أيام العهد البائد بأن “المساجد ما جُعلت للهتاف والصيحات، ولا لتأييد موقف سياسي أو معارضته”، بعد أن انطلقت صيحة (قُم يا عبد الحي) الشهيرة من داخل مسجده، ولم تجد هوىً في نفسه.
*انصبت معظم خُطبه الأخيرة على مواقف سياسية موغلة في الحِدة، واستندت إلى صيحاتٍ تحمل نقداً عنيفاً لحكومة السلطة الانتقالية، وسعياً محموماً لذمها، وتعمد الحط من قدرها، والطعن في مواقف مسؤوليها، والتشكيك في منطلقاتهم ومعتقداتهم، خلافاً لما ذكره بنفسه، عن ضرورة تنزيه المنابر والمساجد عن تبني المواقف السياسية.
*خطبه الأخيرة كلها تشير إلى أنه بات إلى السياسي المُعارض أقرب من الداعية، وأن الضرر الذي وقع على المؤسسات التي يشرف عليها من العهد الجديد جعلته حانقاً على السلطة الحالية، ساعياً إلى ذمها، متعمداً إلصاق كل قبيح بها.
*لم نجد في تناقضاته ما يستوجب الاستغراب، لأنها صارت قاعدةً راتبةً لديه، لكننا لم نتوقع منه أن يتعمد تهوين ما فعلته هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات العامة، بنفي تهمة التمرد عنها، بادعاء أنها لم تتمرد ولم تبرح معسكراتها كي تحتل مرافق حيوية، مثل الإذاعة والقيادة والمطار أو غيرها من المرافق ذات التأثير، بل إنها أرادت لفت الأنظار إلى مظلمة حاقت بها وطال عليها الأمد.
*ألا يعلم الشيخ أن فعل الهيئة المتمردة أوقع قتلى وجرحى بين العسكريين والمدنيين الأبرياء، وقضى على شابين في شرخ الصبا، بقذيفة (هاون)، سقطت عليهما داخل منزلهما في سوبا، وأصابت معهما والدهما بلا ذنبٍ جنوه؟
*ألا يدري أن الرصاص الغزير الذي أطلقوه يومها، يدفع قيمته البسطاء من الضرائب والرسوم التي تفرضها عليهم الدولة؟
*أيجهل حجم الرعب الذي أصاب الناس في الأحياء المجاورة لمواقع القوة المتمردة؟
*ألا يدري أنهم تسببوا في تعطيل دولاب العمل في دواوين الدولة، وقفل المطار، وإيقاف الملاحة الجوية، وأن الفوضى التي نشروها أهدرت طمأنينة الناس، ودفعت العديد من الدبلوماسيين ورجال الأعمال الأجانب إلى مغادرة البلاد على جناح السرعة خوفاً على حياتهم؟
*لو اتبعنا فقه الشيخ عبد الحي بثوبه الجديد، وأجزنا لكل نظامي أن يستخدم سلاحه، كي يغلق الطرقات، ويطلق الرصاص طلباً للحقوق فستسود الفوضى، ويعم قانون الغاب، وتضيع هيبة القوات النظامية، وسيفقد الناس ثقتهم فيمن يفترض فيهم أنهم مجندون لحمايتهم، لا لترويعهم.
*فعلهم يمثل تمرداً لا ريب فيه، لأن الجندية التي يرتدون لباسها، ويحملون سلاحها، ويحرسون شرفها تفرض عليهم أن يطيعوا الأوامر، وينفذوا التعليمات، وأن قواعد العمل العسكري تحفظ لكل مظلومٍ حقه في أن يرفع مظلمته عبر الطرق الرسمية، وفقاً لقواعد التظلم المطبقة في كل القوات النظامية.
*نفيده بأن الدولة فاوضتهم، وقدمت لهم عدة خيارات، ثم عرضت عليهم فوق ما يستحقونه من أموال، فرفضوها وتمردوا وأشهروا سلاحهم، وأطلقوا رصاصهم، فاستحقوا الحسم والمحاسبة.
*ذاك كان تمرداً واضحاً وموغلاً في القبح، لا يمكن لأي حصيف ومنصف أن ينعته بغير ذلك، ما لم يفارق المنطق، ويسلم نفسه إلى هوى نفسٍ تحركها غبينتها، وتدفعها إلى المجاهرة بدعم الفوضى، مثلما فعل (السياسي المُعارض) عبد الحي يوسف، في معرض تقييمه المُخل والمُغرض لأقبح حدث وقع في بلادنا مؤخراً.