الاماتونج ـ وكالات
رغم أجواء الفرح الشعبي العارم بالسودان، والترحيب الإقليمي والدولي، بتوصل المجلس العسكري الانتقالي الحاكم، وقوى الحرية والتغيير التي تقود الحراك في الشارع، إلى توافق حول وثيقة الإعلان الدستوري التي تمهد الطريق أمام تشكيل حكومة انتقالية، يرفض عبد الواحد محمد نور، مؤسس ورئيس حركة وجيش تحرير السودان المقيم في باريس، هذا الاتفاق باعتباره قائماً على «المحاصصة الثنائية»، متوقعاً فشله في علاج أي من مشكلات البلاد المستعصية.
ويذهب عبد الواحد أبعد من ذلك، بمناشدة الشباب والنساء والمنظمات السياسية مواصلة الثورة السلمية لإسقاط الحكومة الانتقالية المقبلة. وقال إنه سيعارض أي حكومة انتقالية تبرم اتفاقاً مع العسكر، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن حركته ستواصل المقاومة السلمية مع الشباب والنساء وأصحاب المصلحة، موضحاً: «أوقفنا إطلاق النار لأسباب إنسانية، ونجدده كل ثلاثة أشهر، وعندما انتفض الشعب ضد البشير، كان طلابنا في الجامعات السودانية في قلب المظاهرات، وتم اعتقال المئات منهم، وأودعوا في السجون بشكل عنصري»، مناشداً الشباب والتنظيمات السياسية التي تسعى للتغيير بالانخراط في تحالف جديد «لإحداث التغيير الحقيقي عبر الثورة السلمية، وإسقاط حكومة المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير».
ووجه رئيس تحرير السودان الذي رفع السلاح ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير قبل 18 عاماً، ورفض توقيع أي اتفاقية سلام معه، نداء للحزب الشيوعي السوداني الرافض المشاركة في هياكل ومؤسسات الفترة الانتقالية للانخراط في التحالف الواسع لإنهاء حكومة العسكر والتغيير، وقال: «نلوم الحزب الشيوعي في الوقت نفسه لأنه وجه اتهامات للحركات المسلحة بأنها لم تفعل شيئاً لإسقاط البشير»، وأضاف: «هذه الحركات هي التي استطاعت تركيع النظام، وجعلته ينهار عبر استنزاف ميزانية الدولة التي تحولت إلى ميزانية حربية، كما عزلته دولياً حتى أصبح مطارداً بواسطة المحكمة الجنائية».
وقال نور الذي لم ينضم إلى قوى الحرية والتغيير إن «الثورة تعني تغييراً شاملاً وحقيقياً، وتحويل السلطة إلى مدنية كاملة، وليس بمشاركة العسكر»، وأضاف: «لكن ما حدث هو أن اختفى الرئيس المعزول عمر البشير، واستبدل به معاونوه في المجلس العسكري والميليشيا التابعة له»، وتابع: «ليس هناك من سبب يجعلهما شركاء في الثورة سوى البندقية التي يحملونها»، متهماً قوى سياسية دون أن يسميها في تحالف قوى الحرية والتغيير بأنها كانت جزءاً من نظام الرئيس السابق عمر البشير، وأخرى من صناعة النظام، وقال: «هذه التنظيمات التي كانت تشارك البشير في نظامه لن أحدد أسماءها وهي تعرف نفسها والشعب السوداني يعلمها، وهي التي أعطت الشرعية لنظام المؤتمر الوطني وعمراً جديداً للاستمرار في السلطة… وراكمت ثروة مالية، والآن هي التي اختطفت الثورة الشعبية»، وأضاف: «هناك قوى سياسية كانت في مفاوضات مع نظام البشير في أديس أبابا حتى قبيل الثورة بأيام، وآخرين شاركوا في الانتخابات التي جرت في ذلك العهد لإعطاء البشير شرعية، وقد صرف النظام أكثر من 140 مليون دولار على تلك القوى».
وقال نور إن الأوضاع الحالية لن تستمر، وإن فئات الشباب والنساء ستواصل الثورة لإسقاط نظام البشير الذي ما زال يحكم بأيدٍ خفية من أعوانه، مشيراً إلى أن قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري اكتسبا الشرعية من المجتمع الإقليمي والدولي، وليس من الشعب، معتبراً أن الوثيقة الدستورية التي جرى توقيعها الأحد الماضي مجرد محاصصة، كالاتفاقيات التي عقدها الرئيس السابق عمر البشير مع الحركة الشعبية في «نيفاشا» الكينية، المعروفة باتفاقية السلام الشامل 2005.
ونفى عبد الواحد نور بشدة أنه يسعى إلى خطف الثورة وثمارها، وقال: «نحن أول تنظيم سياسي عسكري لديه عناصر في الخرطوم ومدن السودان الأخرى، ولدينا الملايين من النازحين الذين ظلوا يقاومون سلمياً، ونحن نطالب بالدولة الديمقراطية العلمانية الفيدرالية والمواطنة المتساوية، ونعمل بالنضال السلمي، كما حملنا السلاح وتعرضنا للإبادة الجماعية والقصف بالسلاح الكيماوي، وقدمنا الشهداء».
وأوضح أن حركته ظلت ترفض الحلول الجزئية، رغم الإغراءات والضغوط الدولية، وأضاف: «نظام البشير منذ اليوم الأول اتهم طلاب الجبهة الشعبية المتحدة، وهي تنظيم تابع لنا، بأنهم وراء اندلاع الثورة، وهذا اعتراف. ومع ذلك، لم نسعَ إلى اختطاف الثورة لأنها ملك للشعب السوداني وحده، ونحن نطالب بدولة المواطنة دون إقصاء لأي طرف».
وفي مقابلة أخرى مع وكالة الأنباء الألمانية، قال عبد الواحد، من مقر إقامته في العاصمة الفرنسية: «الاتفاق الذي تم توقيعه عصر الأحد الماضي هو مجرد اتفاق محاصصة لتقاسم كعكة السلطة، وبالتالي لا يوجد مشروع لبناء الدولة أو حل مشكلاتها المتفاقمة»، وتساءل مشدداً: «أين التغيير الذي حدث؟! الثورة تعني تغيير النظام، لا التفاوض مع مَن ورثوه. الطرفان انتهازيان، سرقا الثورة وحوّلا الأمر لمكاسب خاصة بهما!».
وأضاف: «الشعب السوداني انتفض عن بَكْرة أبيه، وطالب بإسقاط نظام البشير العسكري الإسلامي من جذوره، وكان هتافه الأبرز (تسقط بس) فقط، لا تفاوض… فالثورة أجبرت البشير على الاختفاء من المشهد، والمجلس العسكري انتهز الفرصة وحل محله بالحكم، دون أي تفويض شعبي أو شرعي حينذاك… بالأساس لم يكن بقاؤهم بالمشهد والإبقاء على سلطة البشير خياراً مطروحاً مع اشتداد موجة الثورة يوماً بعد يوم… تلك القيادات هي امتداد لنظام البشير، ولطالما كانوا أدواته وآلياته في كل الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب».
ويستبعد نور أن يحمل المستقبل القريب أو حتى البعيد ما يبدد شكوكه حول طرفي الاتفاق، وقدرتهما على حل مشكلات البلاد، على الرغم مما تضمنه الإعلان الدستوري من بنود تؤكد مدنية الدولة، فضلاً عما يطلقه الطرفان من تصريحات ووعود بأن قضية السلام أهم القضايا الرئيسية التي سيتم العمل والتركيز عليها خلال الفترة المقبلة، وأوضح: «كما قلت، الاتفاق قائم على نظام المحاصصة، وهو النظام الذي قامت عليها أغلب الاتفاقيات التي جرت خلال عهد البشير بينه وبين مَن قَبل التفاوض معه من أحزاب سياسية وحركات عسكرية… ربما أكثر من أربعين اتفاقية، وكلها فشلت في تحسين أوضاع السودانيين».
وأردف: «مَن يتصور أن العسكر سيتركون السلطة واهم… والكل يعرف أن الرئيس القادم هو من قيادات هذا المجلس… وأن الحديث عن الانقلابات لدغدغة المشاعر وتخويف الناس من الحركة الإسلامية… ويقولون إذا اختفينا نحن من المشهد سيعود النظام القديم، متناسين أنهم بالأساس خرجوا من رحم تلك الحركة، بل وكانت طريقهم للوصول لمناصبهم الحالية… هم بالأساس اختزلوا جرائم البشير الذي قتل وهجّر الملايين من أهل دارفور والسودان بشكل عام في مجرد قضايا فساد مالي تافهة… ولن يسلّموه لمحكمة الجنايات الدولية لأنهم يعلمون أنهم لو فعلوا ذلك سيلحقون به، فهم كانوا أدواته في جرائمه».
وحول موقفه الراهن، قال نور: «لن نتفاوض أو نعقد صفقات مع أي حكومة ستنشأ عن هذا الاتفاق مع العسكر… وسنقاومها، والشعب السوداني الذي لطالما ناضلنا من أجله بات يعرف حقوقه جيداً، ونعتقد أنه سيكتشف تدريجياً مخاطر هذا الاتفاق، وينضم إلينا إلى أن يسقط، ونبدأ بتأسيس دولة مدنية صرفة على أسس صحيحة… أما طبيعة المقاومة وسبلها، سلمية أم عسكرية، فهذا يتوقف على معاملتهم لنا».
ولا يستبعد نور أن يحاول المجلس العسكري في الفترة القادمة ضم الحركات المسلحة إلى صفه، خصوصاً بعد أن فقدت تلك الحركات ثقتها بقوى الحرية والتغيير، وحتى لا يكونوا سلاحاً ضده إذا ما دعت الحاجة… كما استبعد أن يحدث أي خلاف بين رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح برهان ونائبه محمد حمدان دقلو المعروف بـــ«حميدتي». وشدد: «لا يوجد تصارع، بل تكامل… فالبشير بالأساس أفرغ الجيش من الكفاءات الوطنية، واستعان بدلاً منهم بالميليشيات، وفي مقدمتها (الجنجويد) التي غيّرت اسمها إلى قوات الدعم السريع، وهي الأكثر نفوذاً وقوة في البلاد… لذا بات برهان يمثل واجهة المجلس النظامية أمام المجتمع الدولي، بينما تقبع السلطة الحقيقية بيد حميدتي».