* لم يكن غريبا أن تكون الحملة العدائية ضد المناهج حامية الوطيس واسعة الانتشار، تأثر بها وشارك فيها عدد كبير من الذين يكرهون (الكيزان) والمواطنين العاديين، متأثرين بـ(منهج التجهيل)!
*”اُستخدم هذا المنهج ولا يزال بواسطة السلطة السياسية والحكومات وأصحاب الشركات والمؤسسات التجارية الضخمة وغيرهم في مختلف انحاء العالم، لتحقيق مكاسب و امتيازات عن طريق تزييف الحقائق والاحداث وبثها في وسائل الاعلام، وحجب المعلومات الصحيحة عن الرأي العام وعدم تمليك الحقائق للناس، و تسميم الفضاء العام بالشائعات وغيرها من الوسائل التي توفر بيئة خصبة لانتشار الجهل وسط المجتمع، والمثل الأبرز لذلك استغلال الرئيس الأمريكي (ترامب) لموقع (تويتر) لبث الاخبار الكاذبة والمغلوطة عن تزوير الانتخابات الرئاسية الامريكية الاخيرة وحشد عدد كبير من المؤيدين” .. كما يقول الاستاذ (على الفاتح ) في مقال عميق الفكرة سهل الاسلوب!
“ويضيف: ظللت طيلة الايام الماضية أتابع النقاشات الإسفيرية المحمومة بين مؤيدي ومعارضي المناهج المدرسية للمرحلة الابتدائية التي وضعها مركز المناهج القومي، وكان الشيء اللافت للنظر الاساليب التي يستند عليها الرافضون للمناهج، والتي يتجلى فيها الأثر العميق لحكم الثلاثين عاماً السابقة بليلها المظلم شديد السواد”.
* في حقيقة الأمر، فإنّ صناعة الجهل في السودان ظلت تحدث منذ أمد بعيد يمتد إلي فترة ما قبل الاستعمار التركي المصري للسودان، و لكن صناعة الجهل عند اصحاب الإسلام السياسي عموماً وفي السودان خصوصاً، ربما تأخذ منحيً آخر، إذ أن الجهل هنا يكمن في صميم فكر الإسلامويين و مبادئهم الرجعية التي يؤمنون بها، و نظرتهم الأحادية للأمور و”دوغمائيتهم ــ (تزمتهم) الذى لا يسمح لهم بالاطلاع علي أفكار أخري غير فكرهم الإسلاموي، إدعاءً بقداسته المتوهمة حيث تذوب فيه حدود السياسة مع حدود الدين و يصبح كل مخالف لفكرهم ونظرتهم للدين الإسلامي عدواً لهذا الدين، وليس لفكرهم فقط”!
* “أضف إلي كل ذلك، إدراك الإسلامويين في السودان عدم مناسبة فكرهم للمجتمع السوداني بطبيعة تدينه الصوفي الوسطى الرافض لأفكارهم ، لذا نجد أنّ أكثر جملة ظلوا يرددونها في أوائل سني حكمهم البائسة هي جملتهم المستفزة ” إعادة صياغة الإنسان السوداني” لكي يصبح أكثر تقبلاً لهم ولأفكارهم ومبادئهم وصبّوا جل تركيزهم و مجهوداتهم في نشر فكرهم الرجعي علي مؤسسات التعليم المدرسي والعالي وشرعوا في تأصيل المناهج و صبغها بأحاديتهم اللئيمة ضاربين بتنوع قوميات السودان المختلفة عرض الحائط، وأضافوا إليها في نهاية عقدهم الاول البغيض تلك البدع التعليمية خاوية المضمون مثل مواد” ملبسنا، مسكننا، الغذاء والصحة …الخ”، أما مادة الفقه فكانت المجال الاخصب لدس السم في العسل باسم الدين، وأصبح المنهج الدراسي يعتمد علي التلقين والحفظ و يخلو تماماً من ما يحفز العقول “.
* “وذهبوا أبعد من ذلك، إذ فرضوا علي طلبة المدارس الابتدائية ترديد أناشيدهم البائسة التي تخلو من أي ابداع في الطابور المدرسي ، بل تحرض علي الكراهية في كلماتها، من أمثال(توكلنا عل الله، الله أكبر، في إيدنا رشاش، في إيدنا خنجر)، وسخَّروا كل أجهزة الدولة الإعلامية والثقافية لنشر أفكارهم الظلامية و تصوير الحرب الأهلية في السودان علي أنها “جهاد”، و أصبحت مدن السودان تقضي لياليها علي ألحان برنامج ” في ساحات الفداء” الذي يبدأ بصوت مدفع، ثم الدخول في سرد الاكاذيب والمساخر مثل حكايات الشجر الذى يُكبِّر وراءهم والغزال والقرود والحيوانات التي تجاهد معهم ..إلخ، فكان من الطبيعي ان ينشط هؤلاء لبث الاكاذيب حول المناهج وتصوير وضع لوحة فنية في منهج التاريخ على انه كفر بواح، ليس دفاعا عن الدين وانما لتجهيل المجتمع حتى يقف معهم “!
* وتوافقت بعض الطوائف الدينية والسياسية والمدنية التي يُحسب بعضها علي قوي الثورة مع الإسلامويين، لحماية امتيازاتهم التاريخية والمحافظة على تركيبة “السودان القديم- سودان ما بعد الاستقلال” التي تخلق البيئة المناسبة لاستمرار هيمنتهم على قطاعات واسعة في المجتمع، لذلك لم يكن الهجوم علي المناهج من الإسلامويين فقط بل ساندتهم بعض هذه القوي، مستفيدين جميعهم من تقدم الاتصالات وانتشار الانترنت لنشر الجهل والاكاذيب من غير رقيب، والتأثير على فئة كبيرة في المجتمع وحشدهم لمعارضة تغيير المناهج متأثرين بما ينشر من اكاذيب ومعلومات غير صحيحة علي الأسافير و المواقع المختلفة”.
* “لمحاربة هذا التجهيل لا بد أن يتقدم المثقفون الصفوف، وتمتلئ الأسافير والأوساط الثقافية والمنابر المختلفة بالكتابات والأفكار التقدمية حتى تشتعل شموع المعرفة والاستنارة وتهزم ظلام الرجعيين، وتضئ طريق الأجيال القادمة في سودان جديد يليق بجلال ثورة ديسمبر المجيدة وتضحية شهدائها”.