تفاءلنا كثيراً بعد رحيل الإنقاذ عن المشهد السياسي في السودان بأنّ مقاليد الحُكم قد عادت للشعب السوداني المنكوب بساسته وسياساتهم، وظننا بعد انتصارنا الكبير المُدهِش بأنّا قد استلمنا في أيدينا مفاتح أبواب السُلطة المُغلقة كانت في وجوهِنا لسنواتٍ طويلة، وحلمنا شأننا وشأن كُل شُعوب الدُنيا بأنّ الغد سيكون أفضل من يومنا، وقادنا الفرح الهستيري بنجاح الثورة إلى رفع سقوفاتٍ الأحلام، بعد أن طردنا كوابيس الإنقاذ التي حرمتنا الحُلم بتحقيق الديمقراطية وحكم الشعب لنفسه، وتجادلنا يومها في عُمُر الحكومة الانتقالية هل هي عام واحد كما حدث بعد رحيل النُميري أم تمتد يا تُرى لعامٍ آخر حسب ما يرى المُتشاءم منّا.
وما كُل ما يتمناه المرء يُدرِكه وها نحنُ قد دخلنا عامنا الثالث والانتخابات لا حس ولا خبر، ومن امتطوا صهوة جواد الانتقالية لم يسرعوا الخُطى للوصول بنا إلى بوابات الانتخابات، لقد استهوتهُم السُلطة وما عادوا يقتربون من ذكر الانتخابات، وحتى المُدة التي اشترطوها في البدايات لعُمُر الحكومة الانتقالية، تنصّلوا منها وزادوا مُدتها بحجة الاستجابة لرغبة من وقعوا على سلام جوبا، بالطبع لم ولن يعترضوا على تمديدها غداً لو تم الاتفاق مع عبدالعزيز الحلو أو مع عبدالواحد نور، وما من سببٍ يدعوهم للاعتراض على تمديدها ما داموا هُم الحُكام وأيديهم في ماء السُلطة البارِد.
جاءت أمريكا مشكورة لايقاظ حكومتنا من نومتها في عسل السُلطة، وتذكيرنا بأنّ لدينا انتخابات قادمة يجب أن لا ننساها وعلينا أن نتهيأ لها إن كُنّا حقاً نُريدها، ووعدتنا بالدعم المادي للاستعداد لها.
(اعلنت الولايات المتحدة الامريكية على لسان السيدة سامنتا باور المديرة التنفيذية للوكالة الامريكية للتنمية الدولية دعم السودان في مجالات الصحة والانتخابات والتنمية الريفية واضافت المسئولة الامريكية أنّ الوكالة تعلن مساهمتها ايضا بمبلغ 4.3 مليون دولار مساهمة منها في انشاء وتهيئة مفوضية تعمل على التجهيز والاعداد وتنفيذ الانتخابات في السودان عقب الفترة الانتقالية في البلاد).
للأسف الواقع يُحدِث بأنّ الطريق المُعوّج الذي تسير فيه الحكومة الانتقالية طويل جدا، ولن يصل بنا قريباً للانتخابات المنشودة، وصراعاتهم الحالية وتكالبهم على الفوز بالمناصب والاستمتاع بمخصصاتها تقودنا للاعتقاد الجازم بأنّهم باقون فينا، وهُم يعلمون بأنّ الفوز بالانتخابات لن يتأتى هكذا بل يحتاج لقواعد جماهيرية لن تتكوّن بالهُتافات، ويعلمون أنّ الناخِب في زمان الوعي لن يذهب إلى صناديق الانتخاب بنفس الأدوات التقليدية القديمة، والوصول إليه واقناعه يحتاج إلى أدواتٍ لا يمتلكها من يحكمونا اليوم، ولذلك هُم أحرص على إطالة عُمر الانتقالية.
لم يخرُج الثوار للطُرقات ويتحمّلوا أذى الإنقاذ وبطشها ليأتوا بزيدٍ أو عُبيد، إنّما خرجوا لتغيير نظام الإنقاذ الباطِش بنظامٍ ديمقراطي حُر يحكُم فيه الشعب نفسه بنفسه، ويتحقّق فيه حُلم المواطن بالحُرية والسلام والعدالة في الحقوق والواجبات.