* اختارت ثلة من المترفين أن تحيل بعض مؤسسات الدولة إلى ما يشبه الحِكر الخاص، بعقودٍ مهولة، ولوائح خدمة عجيبة وغريبة، تشرعن نهب المال العام، بمخصصات وعطايا ضخمة، لا علاقة لها بما يتقاضاه بقية المسحوقين في الأرض، من موظفي الدولة، الذين ينالون ملاليم لا يقمن أوداً ولا يسترن حالاً.
* مثال على ذلك لائحة شروط خدمة العاملين في الشركة السودانية للموارد المعدنية، تلك المحمية الثرية، المملوكة للدولة، التي تنص لائحتها على منح العاملين فيها بدل رعاية صحية، وإعانة زواج، وبدل مدارس، وبدل مسؤولية صرَّاف، وبدل وجبة، وعلاوة تدريب، وسلفيات سنوية، وبدل لبس )مرتب أربعة أشهر سنوياً(، وبدل عيدين )مرتب شهرين في عيد الفطر وثلاثة أشهر في الأضحى(، وبدل مأمورية، وعلاوة مناطق شِدَّة، وبدل عدوى، وعلاوة عبء إداري، وعلاوة طفل، وهلم تبديلاً وتحفيزاً وبذخاً!
* لم تغادر اللائحة المترفة بدلاً ولا علاوة ولا إعانة إلا وفرتها لمنسوبي الشركة الغنية.
* المضحك حقاً أنها، أي اللائحة المتخمة، وبعد كل الحوافز التي بذلتها لموظفيها، وبعد كل الكرم الحاتمي الذي اختصتهم به، نصت كذلك على منح بعضهم )مكافآت تشجيعية( يصل سقفها إلى مرتب عام كامل، بخلاف حافز آخر جماعي، ليشمل البذخ كافة العاملين في الشركة المستبيحة لمال المسحوقين.
* من أعجب غرائب شركة الموارد المعدنية أن عطاياها الضخمة، تستمر حتى ولو فارق أحد منسوبيها الفانية، إذ تنص اللائحة على أن يواصل من ينتقل إلى رحمة مولاه صرف مخصصاته وحوافزه ومرتباته عاماً كاملاً بعد الوفاة، إذا ترك خلفه أبناءً قاصرين، أما من سيّء الحظ الذي يتوفاه الله قبل أن يكمل نصف دينه فينال مرتبات نصف عام فقط )يا لنكد حظ ورثته(، أما من يتم الاستغناء عن خدماته لأي سبب فينال مرتبات عام كامل، برغم أنف قانون العمل السوداني.
* ذاك عن شركة الموارد المعدنية، أما عقد مدير شركة أرياب للتعدين فقد تم إلغاؤه، لا لضخامته وهول ما يحتويه من مخصصاتٍ عالية، بل لتسمينه وتثمينه وتحسينه واستبداله بآخر، أوفر سخاءً وأكثر بذخاً، وأشَّد عطاءً وكرماً، إذ نص الجديد على راتب قيمته )29300( جنيه، مع بدل غلاء معيشة )نصف الراتب(، وبدل مسؤولية )145% من إجمالي المرتب(، وبدل سكن، وأربع تذاكر طيران سنوية لأي دولة عربية )أو قيمتها نقداً(، وبدل إجازة )مرتبات ستة أشهر تساوي أكثر من 175 ألف جنيه(، وبدل لبس )58600 جنيه(، ومنحة العيد )58600 جنيه(، وبدل تلفون، وسيارة ووقود وزيت وصيانة، وإجازة سنوية مدفوعة لمدة )45( يوماً، وبدل مأموريات خارج السودان، وتغطية تكاليف العلاج للمدير وأسرته!
* المضحك حقاً أن العقد الملياري نص بعد كل تلك البدلات على منح صاحبه )أي مكافآت أخرى يقررها مجلس الإدارة(، وكأن المكافآت المتعددة التي احتواها العقد المهول لم توفِ صاحبها حقه.
* الأغرب من ذلك أن نصوص العقد منحت الطرفين حق زيادة تسمين العقد لاحقاً، بمراجعة قيمة المرتب والبدلات، )لمواكبة متغيرات السوق(!!
* ذات البذخ المستفز انتقل إلى عقدٍ آخر، يبُذّ سابقه في الضخامة والفخامة، وينعم به مدير شركة )سودابت(، الذي ينال مرتباً شهرياً قيمته )156( ألف جنيه، بجانب )4( تذاكر سفر سنوية على درجة رجال الأعمال لأي دولة أوروبية، وبدل إجازة قيمته )468( ألف جنيه، وحافز سنوي بنفس المبلغ )468( ألفاً، وبدل عيدين )312( ألفاً، وبدل لبس سنوي )312( ألفاً، بخلاف العربة والوقود والزيت والصيانة وفواتير الكهرباء والمياه والتلفون )حتى التجوال الدولي(، وإجازة سنوية مدفوعة الأجر، يحصل فيها المدير المسكين على )234( ألف جنيه فقط كل عام، كي يروِّح بها عن نفسه، ويريح عينيه وبدنه من عناء إحصاء قيمة البدلات والمخصصات المليارية التي يتحصل عليها من شركته المنكوبة المنهوبة.
* لم يغفل العقد )العينة( فوائد الأسفار ذات الدولار الحار، إذ نص على منح صاحبه حافزاً يومياً قيمته )350( دولاراً في أي رحلة خارجية، وألف جنيه للرحلات الداخلية، مع أن العقد ألزم الشركة بأن تتكفل بسداد كل نفقات السفر وإقامة مديرها داخل وخارج السودان.. وكانت خاتمة المسك منح المدير حق العلاج له ولمن يكفلهم خارج السودان بعد إحضار توصية من القمسيون الطبي.
* ذلك غيض من فيض سرطان العقود الخاصة، الذي نهش جسد الدولة، وأفرغ خزائنها، بتقنين سلب وتبذير وإهدار المال العام في مؤسساتٍ تمتلكها الدولة كلياً أو جزئياً.
* تلك العقود المستفزة موضوعة على منضدة رئيس الوزراء، وننتظر منه أن يُعمل فيها سيفه الصقيل، كي يمزق محتواها، ويقوِّم اعوجاجها، ويوقف تبذيرها لحقوق المسحوقين، ويلحق المحظوظين الذين تقلبوا في نعيمها بمن سبقوهم على درب )التفنيش(!
* شيلة أيلا لسه تقيلة.