* يتحدث البعض عن الظلم الذي يتعرض له قادة النظام البائد لمجرد وجودهم في السجون الى أن يفصل القضاء في أمرهم، أرجو أن تقارنوا بينه وبين الظلم الذي تعرض له الأبرياء في عهدهم، من خلال الشكوى التي رفعها العميد (محمد أحمد الريح) إلى وزير العدل بواسطة مدير سجن بورتسودان، بتاريخ 15 أغسطس، 1993 :
* أنا النزيل العميد(م) محمد أحمد الريح الفكي أبلغ من العمر اثنين وخمسين عاماً، تم القبض علي بواسطة سلطات جهاز الأمن في مساء يوم الثلاثاء 20 أغسطس 1991 من منزلي، وتقديمي للمحاكمة أمام محكمة عسكرية سريعة صورية بعد شهر من الاعتقال، ذقت فيه الأمرين على أيدي أفراد لجنة التحقيق والحراس بالمعتقل، وتعرضت لشتى أنواع التعذيب النفسي والجسماني الذي يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان حتى يوم النطق بالحكم بتاريخ 3/12/1991، الذي كان الإعدام وخفض لاحقاً إلى الحكم المؤبد، وترحيلي بعده بيوم إلى سجن كوبر ثم إلى سجن شالا بدارفور، ثم سجن بورتسودان.
* لقد قضيت ثمانية عشر شهراً بسجن شالا، أعاني أشد المعاناة من آثار التعذيب الذي لا يخطر على بال إنسان، ولا تقره الشرائع السماوية والوضعية، ويتفاوت من الصعق بالكهرباء إلى الضرب المبرح إلى الاغتصاب، تركت آثارها البغيضة على جسدي وظللت أتناول العديد من المسكنات والمهدئات بدون جدوى مما دفع بالأطباء إلى تحويلي للعلاج بالخرطوم، وقبل أن أكمل العلاج أخذوني عنوة الى سجن بورتسودان.
* إن جبيني يندي خجلاً وأنا أذكر أنواع التعذيب التي تعرضتُ لها بواسطة نظام يزعم انه جاء من أجل تطبيق شرع الله، وما نتج عن ذلك من آثار مدمرة للصحة والنفس، قام بها أعضاء لجنة التحقيق وأفراد الحراسات بالمعتقل وألخصها في: الضرب المبرح بالسياط وخراطيم المياه على الرأس وباقي أجزاء الجسد، الربط المحكم والتعليق والوقوف لساعات قد تمتد ليومين كاملين، ربط احمال جرادل مملوءة بالطوب المبلل على الأيدي المعلقة والمقيدة خارج أبواب الزنازين، صب المياه الباردة والساخنة على أجسادنا داخل الزنازين إذا أعياناً الوقوف، القفل داخل حاويات وداخل دورات المياه التي ينعدم فيها التنفس تماماً، و ربط الأعين ربطاً محكماً وعنيفاً لمدة تتجاوز الساعات!
* وقام بذلك: كمال حسن واسمه الأصلي أحمد محمد وهو أفظعهم ، حسين، أبوزيد، عمر، علوان، الجمري، علي صديق، عثمان، خوجلي، مقبول، محمد الطاهر وآخرون (وهي الاسماء التي كانوا يتعاملون بها معنا، ولكنني أعرفهم واحداً واحداً ويمكنني أن أتعرف عليهم إذا رأيتهم).
* كما تعرضتُ للاغتصاب بإدخال أجسام صلبة في الدبر، الإخصاء بضغط الخصية والجر من العضو التناسلي بواسطة زردية، الضرب على الوجه والرأس، وضع عصا بين الأرجل وثني الجسم بعنف إلى الخلف والضرب على البطن الصعق بالكهرباء، القذف بالألفاظ النابية والتهديد المستمر بإحضار زوجتي وفعل المنكر معها أمام ناظري، وقام بذلك النقيب عاصم كباشي ونقيب آخر يدعى عصام ومرة واحدة رئيس اللجنة، واسمه عبد المتعال، وآخر يحضر من وقت لآخر لمكان التحقيق يدعى صلاح عبد الله وشهرته (صلاح قوش)، والنقيب محمد الأمين المسئول عن الحراسات، والمدعو حسن وآخرون!
* ولقد تسبب كل ذلك في إصابتي بالأمراض التالية: صداع مستمر مصحوباً بإغماء كنوبة الصرع، فقدان خصيتي اليسرى التي تم إخصاؤها كاملاً، عسر في التبرز لا أستطيع معه قضاء الحاجة إلا باستخدام حقنة بالماء يومياً، الإصابة بغضروف في الظهر بين الفقرة الثانية والثالثة، علماً بأني قد أجريت عملية ناجحة لإزالة الغضروف خارج السودان في الفقرة الرابعة والخامسة، والآن أعاني آلاماً شديدة وشلل مؤقت في الرجل اليسرى، فقدي لاثنين من أضراسي وخلل في الغدة اللعابية نتيجة للضرب باللكمات، وتدهور مريع في النظر نتيجة للربط المحكم والعنيف طيلة فترة الاعتقال (إنتهى).
* كانت تلك جزءاً من الشكوى التي رفعها العميد (ود الريح) الى وزير العدل الذي لم ينظر فيها ولم يرد عليها، وهنالك آلاف مثله، الكثيرون منهم فقدوا حياتهم، ويعيش بعضهم حياة أفضل منها الموت، ويقضيي البعض حياته بالمسكنات والمهدئات القوية، فأين كان الذين يصرخون الآن لمجرد وجود الذين أمروا بهذه الجرائم الوحشية في السجن معززين مكرمين، الى أن يفصل القضاء في أمرهم؟!