صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

شرطتنا راحت وين؟

14

للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم

* في كل دول العالم يتم إسناد مهام حفظ الأمن بين المدنيين إلى الشرطة، بحسبانها قوة مدنية الطابع، يتم تأهيل ضباطها وأفرادها بتدريباتٍ مكثفةٍ، وتأهيل نوعي، يمكنهم من أداء عملهم بأعلى درجات الكفاءة، ضبطاً للخارجين عن القانون، ومكافحةً للجريمة، ومنعاً لوقوعها بتدابير وقائية، تقلص معدلاتها إلى الحد الأدنى.
* ظلت الشرطة السودانية تؤدي عملها بمنتهى الكفاءة منذ عهود ما قبل الاستقلال، وبقيت أوفر القوات النظامية انضباطاً وحفاظاً على تقاليدها وموروثاتها وعملها المتقن، حتى نالت صفة (خادم الشعب) بجدارة.
* خلال الشهور الماضية اختلت تلك المعادلة، وتوارى دور الشرطة حتى كاد يتلاشى، وأنابت عنها قوات مقاتلة ومدججة بالسلاح من الجيش والدعم السريع.
* قوات تحمل في عربةٍ واحدةً قوةً غاشمةً، تكفي لتسليح سرية كاملة، بمدافع دوشكا، ومدافع (آر بي جي)، وبنادق آلية، وأخرى تخص القناصين، وذخائر تكفي لإبادة الآلاف.
* نسأل: هل يستلزم حفظ الأمن في المدن والقرى كل تلك الأسلحة المخيفة؟
* ما الذي يمنع الشرطة من أداء عملها، كي تنوب عنها قوات مقاتلة، تحمل مدافع مضادة للطائرات، وأخرى مخصصة لاختراق الدروع، وبنادق آلية متنوعة، ترعب الناس أكثر مما تطمئنهم؟
* إذا كانت قوات الشرطة بقوامها الضخم، وبنيتها المترهلة، التي تضم عشرات الضباط برتبة فريق، ومئات اللواءات، وآلاف الضباط، وعشرات الآلاف من ضباط الصف والجنود، وبكل إمكاناتها وقدراتها وآلياتها (الخفيف منها والمُدرَّع) لا تستطيع أن تبسط الأمن بين المدنيين، فما الذي يمنع تسريحها وتوفير ميزانيتها للأجدى والأفيد؟
* لماذا تنفق الدولة ترليونات الجنيهات من أموال الشعب لتوفير مخصصات ومعينات عمل تلك القوة الضخمة، ثم تسند مهامها إلى قوات أخرى مقاتلة، وغير مدربة على التعامل مع المدنيين؟
* أين موقع الشرطة من أفلام الآكشن التي تُعرض في بلادنا منذ شهور؟
* أين توارى إرثها الطويل في حفظ الأمن، ومكافحة الجريمة، وتأمين الناس والممتلكات؟
* وهل يحتاج تأمين الشوارع، وبسط الأمن بين مدنيين عُزَّل إلى كل التجهيزات العسكرية التي تنتشر في شوارعنا حالياً؟
* نعلم أن منظومة العمل الشرطية اختلت في عهد النظام السابق، وأن معيار الكفاءة تراجع ليحل خلف معايير الانتماء السياسي، وأن قمة هرم الشرطة (كرَّشت) وتضخمت، حتى أعاقت ترقية الرتب الصغيرة والمتوسطة، مما صنع حالة من الغبن، بدرجة اضطرت صغار الضباط إلى تنظيم أول إضراب في تاريخ الشرطة الطويل.
* كل ذلك صحيح، لكنه لا يُبرر تواري الشرطة، ولا يفسر تغيبها عن المشهد، ولا يشرعن إسناد مهامها إلى قوات أخرى، لا تمتلك أي تأهيل في مجال التعامل مع المواطنين.
* لن يستتب الأمن، ولن يتوقف الموت المجاني، ولن تجف كؤوس المنايا المنسوبة إلى ملثمين وقناصة ومندسين ما لم تختف المظاهر المسلحة من شوارعنا، وتعود الشرطة سيرتها الأولى، لتبسط الأمن، وتعصم الدماء الزكية التي تسيل كل صباح.
* بالأمس تنتاقلت وسائل الإعلام نبأ ترقية الفريق عادل بشائر المدير العام لقوات الشرطة، إلى رتبة فريق أول، والخبر يدفعنا إلى مساءلة المدير المبجل: متى ستعود قواتك لتؤدي مهامها، وتنشر الطمأنينة بين الناس، كي تستقر بقية القوات الأخرى في ثكناتها، ويخفت صوت الدوشكات، وتعود الطمأنينة المفقودة لأهلنا بعد طول غياب؟
* متى تظهر بُشريات عودة الشرطة يا بشائر؟

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد