* مع كامل تقديرنا للدعم البريطاني وكل المساعدات الخارجية من الأصدقاء والمانحين، فليس هنالك من سبيل للخروج من الازمة الاقتصادية الطاحنة والتحرك الى الامام سوى الاعتماد على النفس واتخاذ تدابير واجراءات اقتصادية قاسية من بينها رفع الدعم وتحرير العملة وسيطرة وزارة المالية الكاملة على المال العام بدون تردد او خوف، بما في ذلك كامل اموال وشركات المنظومة العسكرية بكل مكوناتها، خاصة مع الدعم الدولي والأمريكي والأوروبي للحكم المدني وعملية الانتقال الديمقراطي في البلاد !
* اشرت من قبل الى فشل خطط رئيس الوزراء لمعالجة الانهيار الاقتصادي بالاعتماد على الدعم الدولي، بالإضافة الى تلاشى الآمال العريضة في حصول السودان على مساعدات خارجية كبيرة نتيجة التغيير السياسي الذى حدث، خاصة مع استمرار الدعم الحكومي لبعض السلع من بينها القمح والذى لم يشجع الشركاء على تمويل مشروع الدعم المباشر للفقراء الذي تقدر تكلفته بحوالي (ملياري دولار أمريكى)!
* تعهد الاتحاد الأوروبي من قبل بدفع مبلغ 250 مليون يورو كمساعدة تنموية جديدة (إلى جانب 80 مليون يورو لدعم السودان لمكافحة جائحة الكورونا)، بينما تعهدت السويد بتقديم 160 مليون يورو وألمانيا 80 مليونًا، وفرنسا 16 مليونًا.، ولكن بالنظر إلى ديون السودان الباهظة (حوالى 60 مليار)، فمن غير المرجح أن يستقر الاقتصاد السوداني دون تخفيف الديون والحصول على تمويلات جديدة!
* بالإضافة إلى المبلغ المطلوب لمشروع دعم الفقراء، فإن السودان يحتاج إلى حوالى 6 مليارات دولار لتحقيق الاستقرار في العملة الوطنية، كما ان الطريق لتخفيف عبء الديون في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (HPIC) طويل جدا، ولقد تضافرت أزمة الكورونا وتأخر رفع اسم السودان من قائمة الارهاب بواسطة الادارة الامريكية السابقة وقتا اطول مما يجب، بالإضافة الى التردد الأوروبي وتخبط حكومة حمدوك، لقتل الآمال بالحصول على مساعدة دولية كبيرة!
* تذكر العديد من التقارير الاقتصادية فى الشأن السودانى إلى ان المؤسسات المالية الدولية لن تقدم تمويلاً للسودان قبل تسوية البلاد لمتأخرات ديونها، كما ان المناقشات بين صندوق النقد الدولي والحكومة السودانية في أواخر العام السابق وأوائل العام الحالي لم تسفر عن أي شيء جوهري، لتردد الحكومة في الالتزام بالإصلاحات الهيكلية التي اشترطها صندوق النقد الدولي لإعداد برنامج مراقبة الخبراء، وهي خطوة أولى ومهمة نحو تخفيف عبء الديون بموجب مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون!
* كما ان جهود مجموعة أصدقاء السودان التي تكونت من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي وفرنسا والنرويج، وانضمت اليها لاحقاً الإمارات والسعودية وقطر والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لتنسيق المبادرات الدولية بشأن السودان، لم تتمخض عن شيء يذكر حتى الآن!
* يكلف دعم الوقود والقمح والأدوية الحكومة حوالى 4 مليارات دولار سنويًا، وهو ما يعادل العجز الحكومي، وبما انه يُمول بطباعة النقود بدون غطاء فإنه يتزايد باستمرار بالإضافة الى انهيار قيمة الجنيه، الذى وصل حافة الانهيار فى الاسابيع الماضية!
* في يناير الماضى وبعد أن طلب (حمدوك) من مجلس الأمن إطلاق بعثة جديدة للأمم المتحدة في السودان، تدخل المكون العسكري عبر مجلس السيادة ليفرض بعض الشروط وقام بإرسال رسالة في فبراير ألغت أي إشارة لمنح البعثة تفويضًا لمراقبة إصلاح قطاع الأمن وتنفيذ الإعلان الدستوري ورفع التقارير بشأن ذلك، وهما البندان اللذان يشكلان تهديداً مباشراً لمصالح العسكر!
* لقد سعى الدكتور (حمدوك) على الدوام إلى توافق الآراء، والامتناع عن اتخاذ أي قرار دون مشاورة قوى الحرية والتغيير أو المكون العسكري أو الاثنين معا، كما أعطى الأولوية للعلاقات الجيدة مع المكون العسكري، وكان دائم الحديث عن ضرورة التعاون مع العسكر حتى على حساب تحجيم سلطته ولكنه لم يجد منهم إلا الجحود، والامتناع عن وضع ممتلكات وأموال المنظومة العسكرية تحت سلطة وزارة المالية، عكس ما يزعمون، بل إنهم يطمعون في المزيد من خلال المساهمات الشعبية!
* في بداية العام الماضي وصف صندوق النقد الدولي الاحوال الاقتصادية للسودان بأنها مزعجة، ثم جاءت الكورونا والتراجع الاقتصادي العالمي المرتبط به، وعندما راجع الصندوق تقييمه لاحقا، قال ان الناتج المحلي الإجمالي للسودان سيتقلص بنسبة كبيرة (حوالى 7.2 % )، وسيرتفع التضخم الى اكثر من 120 %، وهو ما حدث بل زاد عن ذلك بكثير، وقدرت وكالة التنمية الدولية الأمريكية بأن حوالى 9 ملايين مواطن سوداني سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية خلال الاعوام القادمة!
* يجب أن يفهم الجميع، أنه ليس ثمة حل لتفادى حدوث الانهيار الشامل غير الاعتماد على النفس ورفع الدعم بشكل كامل عن السلع، مع توفير الدعم المالي المباشر للفئات الضعيفة بالإضافة الى السيطرة الحكومية الكاملة على المال العام وكل مليم أحمر في أي مكان في الدولة، وتطبيق معايير الشفافية الكاملة بكل حزم، وتفكيك مؤسسات النظام البائد بصرامة شديدة واستعادة المال المسروق ومحاكمة اللصوص، بالإضافة الى الحصول على قروض ومنح من الخارج بمساعدة الاصدقاء وتوظيفها في التنمية، وعلى الشعب أن يصمد ويصبر ويفهم أن دمار ثلاثين عاما لا يمكن معالجته في عامين أو ثلاثة ولا حتى في عشرة أعوام، لكن بشرط ان تكون الحكومة والجهات السياسية التي تتشكل منها اهلا لصبر وثقة الشعب، وإلا فعلينا ألا نتوقع سوى الخراب والدمار والفوضى !