نهار أمس زرت ثلاثة بنوك كبيرة وفي أفرعها الرئيسة، )المناظر هي ذاتا والصور نفس المشاهد(، إحباط وصدمة كبيرة تعتري ملامح العملاء وآمالهم في )صلاح الحال( تتحطم على صخرة الواقع المرير..
)تتعدد الروايات والشكوى واحدة(، تستشعر في كل حديث قصة مشحونة بالأسى، )الوجع راقد( في حكاوي الناس وقد استعصى عليهم أخذ مدخراتهم من البنوك، أموال وضعوها لمواجهة ظروف الحياة وحينما جاءت )حوبتها( لم يجدوها، منهم من عزت عليه لقمة العيش في زمن الغلاء وارتفاع الأسعار، والبعض )فتشه المرض( بعد أن هد حيله وخارت قواه، آخرون لا يكادون يجدون قوت يومهم وليس في خزانتهم ما يجيب على أسئلة الأطفال تحت وطأة الجوع أو يلبي مطالب المدارس المتناسلة أو يستجيب لفواتير العلاج والسوق التي لا ترحم.
لا أعتقد أن هنالك أولى من معالجة شح السيولة في برنامج حكومة رئيس الوزراء معتز موسى، فأوضاع المواطن لم تعد تحتمل، توقفت الحياة تماما، كتبنا كثيرا عن فجوة الثقة التي حدثت بفعل الأزمة بين البنوك والعملاء، نعم هذه حقيقة، وسودنا الصفحات حول تأثير الأزمة على مناخ الإنتاج ونشاط التجارة والاستثمار، غير أن هنالك شريحة عريضة من المتعاملين أرى أنها الأولى بالاهتمام، أولئك الموظفون الذين يعملون طيلة الشهر فتعتقل المصارف عرقهم وترفض منحهم الرواتب بينما ينتظرهم صاحب الإيجار وبائع اللبن والخضار وصاحب البقالة، تساوى عند هؤلاء أول الشهر بآخره حتى النفحات التي كانت تفيض بالخيرات مع أيام )الماهية( الأولى انتهت بفعل )عمايل المصارف( وشح السيولة.
بالأمس وداخل مصرف كبير كان الناس يعجبون بامرأة استبد بها الفلس وفشلت في تحصيل راتبها حتى الذين تواطأوا معها بالصمت كانت دواخلهم تصفق، لو سمع السياسيون ما قالته المرأة لأدركوا حجم ما خسرت الحكومة وهي تستعدي شرائح لا صلة لها بالذهب، ولا الاستثمارات، كل همهم راتب يسدون به رمق الحاجة ويعصمهم من سؤال الناس، لماذا تخسر الحكومة العمال والموظفين ملح الأرض وسند الدولة والترس الأول في ماكينة الإنتاج؟.
على الحكومة إعادة البصر كرتين في أزمة السيولة، ودراسة كلفة استمرارها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، لا أعتقد أن هنالك جدوى من احتجاز رواتب الموظفين أو عدم صرف مدخرات تم استثمارها وفقدت قيمتها المالية بفعل ما حدث من انفلات اقتصادي.
يحتاج الجهاز المصرفي إلى ثورة حقيقية تعيد الأمور إلى نصابها، على الدولة أن تجعل السيولة )أم المعارك( في برنامجها الإسعافي حتى نهاية أجل الحكومة القادمة في 2020.
المؤلم في الأمر أنك لا تكاد ترى ثمة أملا يلوح أو ضوءا في آخر النفق على الرغم من التزامات الحكومة بإنهاء الأزمة خلال ثمانية أسابيع.. لم يتبق منها سوى أسبوع واحد.
بالطبع لم أحدثكم عن تأثير شح السيولة على سياسة الدولة الرامية لتحقيق الاستقرار في سعر الصرف، خفض أسعار الدولار غاية لا يمكن أن تدرك مع استمرار خزانات البنوك خاوية على عروشها. في السابق أمسكنا العملة تخوفا من ارتفاع سعر الصرف غير أن الأمر لم يوقف زيادة الدولار فلماذا نصر على استمرار وضع ختم على المواطن بالشقاء وخسرت منه الحكومة كثيرا؟..