في لفتة بارعة ومعبرة ومؤثرة وحضارية تنم عن مسؤوليتهم الوطنية ووعيهم الكبير، أعلن شباب مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور رفضهم البات للجهوية والعنصرية، ذلك من خلال تسييرهم موكباً بالسيارات في مبادرة وطنية صادقة ومبدعة تدعو لنبذ الاصطفافات الإثنية والعنصرية التي ظلت تعاني منها دارفور التي أنهكتها الحرب وقضت على انسانها وأخضرها ويابسها، ورفع هؤلاء الشباب شعارات تنبض وطنية، وكان العنوان الرئيس لمبادرتهم (وطن يسع الجميع، وتفرعت عنه عدة شعارات مؤداها مناهضتهم ورفضهم العيش في أتون الصراعات الموروثة، وطاف موكب سيارات هؤلاء الشباب يوم الأربعاء الماضي أنحاء مدينة نيالا واحيائها، مطالبين بحياة جديدة ومختلفة عن سنوات الحرب والاقتتال العجاف، وتتسق وتتماشى وتتناغم مع التغييرات الجذرية التي أحدثتها ثورة ديسمبر الماجدة، ولوح هؤلاء الشباب بعدد من الشعارات الداعية الى نبذ العنصرية والجهوية وكل أشكال التمييز، وأن تسود بدلا عن هذه الأدواء والامراض روح الوفاق والتوافق وتجاوز الشقاق والتناحر في اللاشئ والصراع على الخراب، ومن بين الشعارات الحاضة على ضرورة احياء هذه القيم، شعار (فلنتقبل بعض)، و(كلنا أهل)، و(حياة الإنسان فوق كل اعتبار)، و(كل أجزائه لنا وطن)، و(نخت أيدينا مع بعض)، وغيرها، وقد وجدت هذه اللفتة البارعة والموكب الرائع استحسانا كبيرا وحصد اعجابا كبيرا، باعتباره خطوة مهمة وضرورية على طريق التعافي الاجتماعي والتدامج المجتمعي، فمثل مبادرة هذا الشباب الوثاب هي ما تحتاجه البلاد وبالأخص المناطق التي شهدت فصولا مأساوية من الحرب والاقتتال، لما يمكن أن تسهم به من دور فاعل في تحقيق السلم المجتمعي وترسيخ ثقافة السلام، وبالأخص في إقليمهم الكبير لإسكات صوت البنادق وللأبد، فتحل شقشقات العصافير مكان زخات الرصاص أو كما قال مبدعنا الراحل محجوب شريف (مكان الطلقة عصفورة تحلق حول نافورة تمازح شفع الروضة)..فلله در هؤلاء الشباب الذين هدفوا من وراء مبادرتهم المعبرة، أن يبلغوا رسالة للجميع، وخاصة للأهل في دارفور الكبرى بولاياتها الخمس، بأن كل السودانيين بمختلف اثنياتهم هم فى النهاية شعب واحد فى وطن واحد ويجمعهم مصير واحد وعليهم أن يعيشوا فى سلام ويتعايشوا ويتدامجوا اجتماعيا، والشاهد فى موكب شباب نيالا أنه يستبطن معنى بعيد لا يجتزئ قضية السلام الحقيقي المفقود حتى الآن في حيز جغرافي محدد، بل يتمدد إلى كافة أجزاء الوطن، ذلكم هو السلام المجتمعي بمعناه الأعم والأشمل الذي لا يعني غياب العنف والحرب فحسب، وإنما أيضا يعني الهدوء والاستقرار والصحة والنماء.. الخ، فالحاجة ما تزال ماسة وملحة لقيادة مبادرات تقودها الفعاليات المجتمعية والثقافية والنشطاء في مجالات العمل العام من أجل السلام الاجتماعي والتدامج والتلاقح الثقافي، وتحقيق درجة من الانسجام في العلاقات البينية بين المجتمعات المحلية المختلفة، والعمل على أن تسود حالة من الهدوء في العلاقات بين الجماعات المختلفة، بما يفضي في النهاية إلى بناء المجتمع ككل على أسس سليمة من التجانس والتلاحم والإحترام المتبادل، وهذه عملية لا تتم بالقرارات ولا الإتفاقيات مهما كانت، وإنما بالحراك المجتمعي وحركة المجتمع اليومية..