مضى نحو سبعة أشهر على الثورة السودانية التي أسقطت حكم الرئيس عمر البشير، وما زال الشباب السودانيون يبحثون عن أنفسهم وعن أهدافهم وآمالهم وطموحاتهم التي كانت المحرك الأساس لثورة نجحت بفضلهم وفضل غيرهم من المشاركين فيها
واجهت أجيال الشباب المتعاقبة في السودان، من الجنسين، طوال ثلاثين عاماً من حكم الرئيس المعزول عمر البشير، صنوفاً من الإقصاء عن المشاركة العامة، والاستغلال في الحروب العبثية التي كانت تخوضها الدولة ضد مجموعات سودانية، تمردت على الظلم والتهميش، بينما انتشرت البطالة وسط الشباب نتيجة اعتماد النظام على أهل الولاء في الوظائف، في إطار ما كان يسميه بالتمكين. وهكذا، غامر شباب السودان بالهجرة السرية، تلك التي أفقدت كثيرين منهم، لا سيما الذكور، أرواحهم غرقاً في مياه البحار والمحيطات. وفي الوقت نفسه، أغلق النظام وسائل الترفيه في البلاد، وطارد الشباب في الشوارع العامة، حتى بسبب مظهرهم وقصات شعورهم وملابسهم.
حينما هبّت الثورة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، كان الشباب عمادها الأساس ومحركها بنسبة غالبة، حتى سميت باسمهم “ثورة الشباب السوداني” الذي دفع ثمن ذلك موتاً واعتقالاً وملاحقة إلى حين تحقق مرادهم بزوال نظام البشير، وتشكيل هياكل سلطة مدنية، لكنّهم ما زالوا على الرصيف يأملون في تغيير حقيقي يلامس حياتهم.
يقول الشاب يوسف بشير، إنّ المستقبل الخاص به وببقية الشباب ما زال مظلماً إذ لا أمل في وظائف جديدة، وهناك زيادة مستمرة في الأسعار وارتفاع جنوني للدولار. يضيف لـ”العربي الجديد” أنّ الشباب كانون يأملون في تغيير اجتماعي كبير يعدل صورة المجتمع عن الشباب، لكنّ ذلك لم يحصل حتى تاريخ اليوم، وليس هناك تصور له لكيفية حصوله. يتوقع بشير أن تطرح حكومة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، جملة من الوظائف مع بداية السنة الجديدة، معرباً عن أمله في أن يتم شغلها من دون محسوبية أو محاباة، كما كان يحدث في العهد السابق.
من جهته، يقول حمد المجتبى، وهو طالب جامعي، أمضى معظم أوقات الثورة في ميادين التظاهر والاحتجاج والاعتصام، إنّه بالرغم من إسهام الطلاب الكبير في الثورة، فقد كانوا المتضرر الأكبر، من جراء توقّف الجامعات القسري طوال نحو عام، وهو عام ناقص من عمرهم ومستقبلهم غير المنظور. يضيف المجتبى أنّه لا توجد حتى اليوم خطة واضحة لمعالجة توقف الجامعات، أو التكدس الناجم عن وجود دفعتين بالمستوى الأول، كما لا توجد ضمانات للاستقرار مع بروز بعض حالات العنف في بعض الجامعات، ما يمثل تهديداً جدياً للشباب لا بدّ من التعامل السريع معه.
وكانت الجامعات الحكومية قد أغلقت أبوابها منذ شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، مخافة توسع الاحتجاجات، وتواصل الإغلاق بعد سقوط البشير نتيجة للأوضاع السياسية المتردية، في حين بدأت بعض الجامعات استئناف الدراسة بحذر شديد في الأيام الماضية.
أما نيروز فتحي، وهى من الناشطات في الحراك الثوري، فترى أنّ المرأة السودانية حصدت مكاسب عديدة بعد ثورة ديسمبر، على رأسها تولي مناصب قيادية في مؤسسات السلطة الانتقالية، إلى جانب وقف عمليات التمييز والملاحقة التي كانت تتم باسم قانون النظام سيئ السمعة. تقول لـ”العربي الجديد” إنّ هناك اتجاهاً قوياً لانضمام السودان إلى اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”، وهناك شبه إجماع على إلغاء قانون النظام العام المُسيء للنساء، مؤكدة أنّه في حال تحقق ذلك سيكون هذا واحداً من أبرز المكاسب للشباب بعد الثورة. ولطالما ناهضت السودانيات قانون النظام العام الذي يسمح بملاحقة النساء بتهمة السلوك الفاضح، وفقاً لتقديرات رجال الشرطة لسلوك وأزياء وطريقة سيرهن في الشارع.
من جهتها، تقول خديجة الحاج، إنّه بالرغم من نجاح الثورة في عدة مناحٍ، فإنّ القصور الاقتصادي ما زال واضحاً في معيشة الناس، خصوصاً مع غلاء أسعار السلع والإيجارات، وانخفاض سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، وبروز أزمات كلّ فينة وأخرى، في الوقود والمواصلات وطحين الخبز، مشيرة إلى أنّ “من الصحيح أنّ الثورة هي ثورة وعي، لكنّ أحد محركاتها الرئيسة هي الضائقة المعيشية”. توضح لـ”العربي الجديد” أنّ شريحة الشباب هي أكبر المتضررين من المشكلات الاقتصادية، وعلى حكومة حمدوك المسارعة في معالجة الاختلالات الاقتصادية، فالأوضاع باتت لا تطاق، وعلى دول العالم مساندة السلطة الانتقالية في هذه المرحلة الحساسة عبر قرارات واضحة تصب في دعم عملية الانتقال والتغيير.
من جانبه، يعتبر الصحافي حسام حيدر، أنّ عملية التغيير السياسي والاجتماعي لم تكتمل ولم تأخذ دورتها كاملةً، مشيراً إلى أنّ معظم الفئات التي شاركت في فعل التغيير شباب أعمارهم ما بين 17 و40 عاماً، وهم أصحاب المصلحة العظمى في التغيير، والتواقون له، لتحسين أوضاعهم المعيشية، والحصول على فرصٍ حقيقية ومتساوية في العمل والحياة الكريمة. يضيف: “لا يمكن القول إنّ معظم أهداف التغيير الاجتماعي قد حصلت لأنّها مرتبطة بمشاريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية وإيقاف الحرب وعودة النازحين إلى مناطقهم، والتي هي في الأساس مناطق إنتاج”. يضيف لـ”العربي الجديد” أنّ الصراع في بلدٍ مترامي الأطراف مثل السودان يقوم على تعارض مصالح السكان المحليين في إدارة الموارد، مثل صراعات الرعاة والمزارعين في مناطق مختلفة، وهي تتحكم فعلياً في الأوضاع الاجتماعية. وتجد كثيراً من الشباب ما زالوا يفكرون في الهجرة بسبب تردي الوضع المعيشي وبقاء نسبة البطالة في المعدلات نفسها التي كانت أثناء حكم البشير”. يوضح حيدر أنّه لا يمكن بأيّ حال ربط ذلك بالحكومة الانتقالية التي وجدت فساداً ضرب كلّ مؤسسات الدولة، ما أثر على فتح فرص عملٍ متساوية تمنح الشباب التغيير المنشود. ويكشف أنّ هناك قضايا أخرى قد تكون سبباً في أن ينظر الشباب إلى التغيير بحذر، مثل عدم إزالة مظاهر تمكين دولة النظام السابق وحزبه المؤتمر الوطني المخلوع، وما يرونه من بطء تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير الحاكم في وضع سياسات تدعم قضاياهم في معالجة مشاكل مثل مكافحة العنصرية وفتح فرص التعليم المتساوية أمامهم وغيرها.
أما محمد الأمين عبد العزيز، وهو قيادي سابق في تجمع المهنيين السودانيين، فيوافق على عدم تحقيق الثورة كثيراً من أهداف شبابها، كتخفيض نسبة البطالة، مشيراً إلى أنّ هناك غياباً للرؤية والخطة الواضحة لاستيعاب الشباب. يقول لـ”العربي الجديد” إنّ كلّ ما حصل عليه الشباب هو حريتهم الاجتماعية من دون أن يطاردهم قانون النظام العام، مشيراً إلى غياب الخطط حتى في ما يتعلق بتأهيل الشباب للفترة المقبلة في طريق بناء الدولة، مبيناً أنّ الشباب في حاجة إلى تدريب في مجالات عدة منها في الجوانب المدنية والبناء الديمقراطي وحقوق الإنسان.