استنكر البعض مُشاركة سفراء الاتحاد الأوروبي لنا في نظافة الخرطوم، وسخروا من استجابة السفراء السريعة للمبادرة التي أطلقتها مجموعات شبابية وطنية بالتعاون مع اللجنة الوطنية لمُناصرة البيئة، لتخليص العاصمة من كُتلِ القمامة التي تُحيط بها من كُل جانب، والواجب بدلاً عن السُخرية أن نقول لهُم شُكراً جزيلاً ونُقدِّر لهُم هذه المُشاركة الإنسانية، حتى ولو كان المقصد حماية أنفسِهم من تبعاتِ تلال القُمامة، وهُم يُقيمون معنا في عاصمتنا (المُتسخة) وما يُصيبنا فيها ما يُصيبهم، ومن حقهم حماية أنفسهم منها ولا حرج من مُشاركتهم في المُبادرة التي لم يُطلقوها هُم.
لم يُصدِق هؤلاء السُفراء أنّ البعض من شباب الوطن أطلقوا مثل هذه المُبادرة فسارعوا لمُشاركتهم بهمةٍ عالية، والراجح انّهم كانوا ينتظرونها بفارغ الصبر، وحال طُرقات العاصمة ومنظر تكدُس القمامة فيها بالجد كئيب، يزيد القُبح فيها قُبحا، ويُخفي جمال ما تبقى فيها من جمال، وقد دفعتهم مُبادرة الشباب لاطلاق مُبادرة خاصة بهم أطلقوا عليها مُبادرة خارطة الطريق الثلاثية لحل أزمات النفايات في عاصمتنا، ومن تحرّجوا من مشاركة الأجانب لم يسألوا أنفسهم عن دور الحكومة المركزية التي تتمرّكز مكاتب قادتها في الخُرطوم في ما يخُص النظافة، ولم يسألوا عن غياب السيد والي ولاية الخُرطوم من مثل هذه المُبادرات.
لم يُشاركنا السادة السُفراء بأيديهم فقط بل قدّموا لنا خُطة من ثلاثةِ محاور لنظافة العاصمة من نفاياتها نهائيا، المحور الأول يتمثّل في زيادة (الوعي) بمشكلة وأضرار القُمامة، والثاني فتح الباب أمام الاستثمار في القمامة واعادة تدويرها، والثالث تشجيع الشباب على ابتكار حلول جديدة ومحلية وبناء فُرق مُجتمعية لحماية البيئة في الأحياء والقُرى، عجباً والمُكابِر منّا يُلقي بأكياس قُمامته بلا مُبالاة في أي مكان وتأخذه الكبرياء الزائفة للغضب من مُشاركة هؤلاء لنا في نظافة التي نحتاجها، نخشى من أن تدفع المُكابرة من بيدهم ملفات البيئة والصحة في الولاية لدس المحافير من الشباب والسُفراء الأوربيين الذين تدافعوا لمُشاركتهم.
حقاً اخجلونا بمبادرتهم لا سيّما ونحن نقف على أعتاب فصل الخريف الذين تسعد وتزدان به عواصم بُلدان العالم (عدا) الخُرطوم، وهم ينتظرون قدومه بفرحٍ وسعادة ليغسِل أدرانها ويُجمِّل بيئتها، وننتظره نحن بقلوبٍ واجفة، تجعلنا نرفع الأكُف لله سبحانه وتعالى أن يصرفهُ بعيداً عن الولاية التي تزداد به قُبحاً على قبحها، وتجد فيه الحشرات الضارة مكانها المُناسب في أحشاء القمامة المُتعفّنة بسبب هُطول الأمطار عليها للتناسل والتكاثُر، غداً تمتلئ ساحاتنا والميادين بالمياه الراكدة لعدم التصريف وتحجب الروائح الكريهة المُنبعثة منها رائحة دُعاش الخريف المُشتهى.
ما من مكانٍ إلّا وفيه كُتلة من قُمامة، وغياب حكومة ولاية الخُرطوم عن دورها المنوط بها أصبح مُحيّرا، فهل السبب فيها الدولة العميقة أيضاً يا نمر.