المثل السوداني الشائع يقول (سهر الجداد ولا نومو)، ولمطابقة مؤدي هذا المثل لحال الانقلابيين مع مليونيات الثوار المتتابعة حورناه الى (سهر الانقلابيين ولا نومهم)، وحكاية المثل كما في الرواية الشعبية تقول، إن ثعلبا ماكرا اعتاد على توفير وجباته الغذائية من قفص كبير للدجاج صار له (تكية)، يهجم عليه بالليل ليصطاد منه زاد اليوم وهكذا دواليك كل ليلة، في البدء كان صاحب القفص في غفلة مما يفعله الثعلب بدجاجه، ولكن عندما بدأ عدد الدجاج يتناقص بشكل ملحوظ انتبه للأمر، فعمد الى احكام غلق كل المنافذ والثغرات التي كان يستغلها الثعلب للانقضاض على الدجاج، وعندما جاء الثعلب لممارسة صيده المعتاد في أول ليلة أعقبت عمل التحصينات والاستحكامات، وبعد أن لم يستطع اختراق القفص من أي ناحية أتاه وفشل في اصطياد ولو كتكوت صغير، هداه تفكيره الماكر الى ادخال ذيله عبر فتحة صغيرة الى داخل القفص، وشرع في تحريكه يمنة ويسرة مرة، ويهزه فوق وتحت مرة، الأمر الذي أزعج الدجاج وأرعبه واربكه فتعالت صيحاته، وعندما صحا صاحب القفص وهرع الى مكانه لتبين جلية الأمر، كان الثعلب قد فر بجلده عائدا الى عشيرته، وعندما سئل عن جدوى ما فعله قال اجابته التي جرت مثلا (سهر الجداد ولا نومو).. ما فعله الثعلب بالدجاج، يفعله هذه الايام ثوار ديسمبر الاشاوس بانقلابيي (25 اكتوبر)، فكل ما لوح الثوار بمليونية سارع الانقلابيون الى نشر جنودهم المدججين بكل اسلحة القمع والقتل، واحكام اغلاق الكباري بالحاويات، وتتريس الشوارع وقطع المكالمات والانترنت، حيث استلم الثوار زمام المبادرة والفعل تماما وتركوا للانقلابيين رد الفعل، بل الراجح أن الانقلابيين كونوا غرفة عمليات خاصة لمتابعة النشاط الاسفيري للثوار ورصد جداول تصعيدهم الثوري، فاذا ما علموا بأن الثوار يخططون لمليونية في يوم كذا، استبقوا ذلك اليوم باغلاق الكباري وتتريس الطرق وتحشيد الجند منذ الليلة السابقة ليوم المليونية، ويعمدون عند صبيحة يوم المليونية لقطع الاتصالات والانترنت لافشال المليونية، وحين يتحدى الثوار ببسالتهم المشهودة كل هذه التدابير والاستحكامات المنيعة، يفتحون عليهم نيران بنادقهم ويسقط عدد من الشهداء، ورغم ان هذا المشهد ظل يتكرر مع كل مليونية حتى بلغ عدد الشهداء 54 شهيدا بسقوط ستة شهداء في مليونية 30 ديسمبر، الا ان هذا العنف المفرط والقاتل لم يكن يزد الثوار الا اصرارا على رفض الانقلاب ومواصلة المليونيات والمضي بثورتهم الى نهاياتها بتحقيق كل اهدافها، فأعلنوا عن مليونيات متواصلة خلال العام الجديد تبدأ أولاها في السادس من يناير، لكن تظاهرات الأمس الثاني من يناير جاءت بشكل مفاجئ، حين أعلنت بغتة لجان مقاومة حي الديم تنفيذ مليونية في هذا اليوم خارج الجدول المعلن، وبدا هذا الترتيب من لجان الديم وكأنه تدبير جديد لارباك السلطة الانقلابية، وقد كان اذ سارعت السلطة لتنفيذ حزمتها القمعية المعلومة، ليتفاجأ عدد كبير من المواطنين باغلاق الكباري وتتريس الشوارع، فاضطروا للعودة الى منازلهم..وبهذا التدبير الجديد الماكر تكون مليونية الأمس قد فعلت في حدها الأدنى ما فعله الثعلب بالدجاج، وأنتجت مثلا جديدا يقرأ (سهر الانقلابيين ولا نومهم)..