تبذل قصارى جهدها تلك الجهات التي تحاول تشويه صورة الثورة وتحويلها من ثورة سلمية بيضاء ناصعة الى تخريبية تستهدف الممتلكات والمؤسسات الوطنية وتعتدي على المارة وتحطم زجاج السيارات، ويتفوه شبابها بألفاظ لا تشبه لغة شباب الثورة ووعيهم، وبعض الذين قاموا بتتريس شوارع الخرطوم، منهم أصحاب قضية ومنهم من لا ينتمون الى الثورة ولايعرفون أبجدياتها، كانت لهم ادوار معينة وصلوا الى الشوارع لتجسيدها حسب خطة تلك الجهات التي أصبحت معروفة لدى عامة الناس ،ويكفي أن عدداً من المواطنين كان ردهم على بعض التصرفات السلبية أنهم يقولون لهم ( والله انتو ماثوار ) هذه العبارة وحدها تكفي وتؤكد فهم وإدراك المواطن لسلوك الثورة وطريقتها في التغيير، التي رسخت في ذهنه ولم تبدلها تلك العروض المشوهة لبعض العابثين على طرقات المدنية.
ويبقى حق التعبير مكفولاً ومشروعاً للجميع، ومثله تبقى أزمات المواطن حقيقة لاجدال فيها ، وان الضائقة المعيشية هي أكبر أسباب الدوافع التي تستدعي في الناس رغبة الخروج الى الشارع، لكن أصبح المستغلون للازمة والمنافقون الذين يرفعون الشعارات خدعة وزيف أكثر بكثير من الصادقين ، الذين يخرجون من أجل لقمة العيش والمطالبة بتحقيق الأهداف، وأكثر مايحزنك تلاشي الاحساس بالوطنية رغم شحه وقلته ، والبلد كثرت فيها الايادي المخربة التي كانت تبحث عن فرصة مثل هذه، واختلط الحابل بالنابل ، وتشابهت الوجوه ، مثلما تشابهت المطالب ، فثورة يقف فيها الشيوعي والكوز لأول مرة في خندق واحد صعب ان تفرق بينهما في مسارح الهتاف فكلاهما يعلو صوته بإسقاط الحكومة
ومنهم وبينهم ، يقف آخر ، له هدف مختلف، يمر فيه الطموح بمراحل التخريب والدمار وقد يصل حد إراقة الدماء، فمن الموجع حقاً أن تجد سوداني حر وأصيل، يعمل كل شئ من أجل الانتماء الحزبي او حفنة جنيهات حتى دمار وطنه.
ومنذ أمس الأول تواصلت الاحتجاجات الرافضة لتحرير أسعار المحروقات ، وشهدت عدد من مناطق الخرطوم تصعيداً لافتاً باغلاق الشوارع كما أغلق جسري سوبا والنيل الابيض لساعات، فيما اضرم الثوار النار على الاطارات في أمدرمان وبحري والخرطوم ، رفضاً لزيادة الاسعار وعلى رأسها الوقود ومقترح تجمع أصحاب المخابز بزيادة سعر (الرغيفة) لتبلغ قيمتها 10 جنيهات وهددوا بالثورة على القرار حال موافقة والي الخرطوم أيمن نمر على المقترح.
ولكن تحولت بعض الاحتجات الى اعتداءات على الممتلكات العامة وعلى حقوق الغير، وهذا مايعني ان ثمة من خرج الى الشارع فقط للتخريب والدمار ، ليدمغ شباب الثورة بهذه الأفعال ،ولكن كانت لجان المقاومة أكثر وعياً كما عهدناها عندما أعلن بعضها عن انسحابها من الشوارع لتؤكد ان مايحدث بعد الانسحاب لاعلاقة له بالثورة ، وهي خطوة مهمه لإعادة ترتيب الصفوف ووضع خطط جديدة ، فالثورة وشبابها أدري بمصلحة الوطن وتحقيق مطالب الثورة واهدافها ، وحكومة لم تحترم الثورة وأهدافها حري بها ان تغادر مكانها، غير مأسوف عليها، ولكن من الذي يقرر ذلك ، بالتأكيد ليس اصحاب الأجندة والمصالح، والذين يضمرون الحقد لهذا الوطن ولا يريدونه ان يتقدم خطوة واحدة ، أصحاب النظرات الضيقة الملتوية، الذين يتاجرون بقضايا ومعاناة المواطنين، او اؤلئك الذين وجدوا أنفسهم على قارعة الطريق بعد ان نسفتهم الثورة ، هؤلاء هم اعداء هذا الوطن الذين يدقون طبول الحرب ويرفعون شعارات السلام في آن واحد، ولو كنت مكان الحكومة لبذلت كل الجهود لحلحلة جميع المشاكل الاقتصادية، حتى يجد اعداء الثورة سلماً آخر للارتقاء به لهدم صوامع التغيير، او يطرحون أهدافهم الحقيقية بعيدا عن نغمة الجوع.
فالمواطن يعيش الآن بلا شك أزمة اقتصادية استثنائية لكن كيف تكون معاناته ان عاش أزمة انفلات أمني ،يسببها له ذات الذين يخافون عليه وعلى الوطن من وطأة الجوع والضياع، فالثورة التي نعرفها هي ان نخرج الى الشارع بذات السلمية نطالب بالإصلاح او اسقاط الحكومة، لكن ان نحرص وبشدة على حقوق الوطن والمواطن ، فكل من يحيد عن السلمية عدو خائن يستحق العقاب والمحاسبة.