تحركات مكوكية واجتماعات مكثفة تشهدها عاصمة جنوب السودان، جوبا، وفدٌ من مجلس السيادي بمكونيه المدني والعسكري يلتقي قادة الجبهة الثورية هناك، وقبله كان الشفيع خضر مبعوثًا خاصا لرئيس الوزراء حمدوك يلتقي بقادة الحركات وحكومة جنوب السودان، وغدًا وفي أول رحلة خارجية يصل رئيس الوزراء إلى جوبا للقاء قادة جنوب السودان وقادة الجبهة الثورية.
بالمقابل، تنشط اجتماعات عربية مكثفة لإحداث اختراق في ملف السلام.
تواردت بعض الأنباء ليل أمس عن قرب التوصل إلى اتفاق سلام شامل، حتى قبل وصول رئيس الوزراء، ومثل هذه المعلومات تعبِّر عن أشواق لبلوغ السلام الشامل أكثر من كونها معلومات منطقية وواقعية، لكن ما يمكن تأكيده هو أن المناخ مواتٍ لإنهاء الحروب وأن المشهد السوداني تتنافس فيه دول عدة للعب دور رئيسي في سلام السودان.
جوبا تريد أن تنتزع دورًا رئيسيًّا بأن تتحول إلى منبر المفاوضات، بالمقابل تنشط دول المحور الثلاثي “مصر، الإمارات والسعودية” لانتزاع ذات الدور، وفي كل الأحوال ينبغي أن ينتهي هذا التنافس إلى إنجاز لا أن ينتهي إلى صراع وتناحر.
رعاية اتفاقيات السلام ليست بسيطة، فهي لا تنحصر في الدور السياسي فقط، بل تمتد إلى تمويل العملية نفسها بإعادة النازحين واللاجئين وإعمار قراهم ومدنهم عطفًا على مشروعات تنموية تدعم استقرار العائدين.
أيا كان هذا التنافس المحموم بين دول الجوار ودول المحور إلا أن أي اتفاق سلام يستثني الحركة الشعبية-عبد العزيز الحلو وحركة تحرير السودان-عبد الواحد محمد نور لا يُمكن أن نطلق عليه اتفاق سلام شاملًا.
ما سيتم التوصل إليه في جوبا ربما يكون أقرب إلى إعلان مبادئ عامة لكن سيكون مع الجبهة الثورية فقط باستثناء الحلو ومحمد نور.
قبل الاتفاق على منبر التفاوض أيا كان في جوبا أو القاهرة أو أبو ظبي أو جدة، المطلوب الجلوس مع الحلو ومحمد نور بأسرع وقت للحاق بالمفاوضات التي بدأت جديًا في جوبا.
الإنقاذ خلفت لنا إرثا كبيرًا في تجارب اتفاقيات السلام الفاشلة، التي لم تفعل إلا توالد جبهات القتال وتجددها.. أي اتفاق سلام لا يضع النقاط فوق أحرف شيطان التفاصيل سييكلِّفنا ثمنا باهظًا مستقبلا وأي تجزئة لقضايا السلام سوف تضاعف التكلفة مستقبلا.
هذه الفرصة التي سنحت الآن لإحداث اتفاق سلام شامل ينبغي أن لا تفوَّت مهما كان الثمن.