لولا الحاجز الزجاجي الذي يفصلني عن الصيدلي، لكنت وجهت له لكمة قوية وليكن بعدها ما يكون (سجن سجن غرامة غرامة)، هكذا بادرني محدثي الذي ما زالت امارات الغضب بادية على وجهه، وبسؤالي له عن سبب غضبته المضرية تلك التي كانت ستودي به الى الحراسة اذا لكم ذاك الصيدلي، قال كنت ابحث بقلق عن دواء لمريض يعاني ضيقا فى التنفس، طفت على سبع صيدليات ولم اجده، وحين دلفت الى الثامنة وجدت الصيدلي منهمك فى مؤانسة مع احد اصدقائه، حسبتها لحظات وستنتهي ليتفرغ لي، ولكن هيهات اذ تواصل الأنس وتعالت القهقهات، حاولت ان انبهه لوجودي، فلم يعرني أدنى اهتمام وواصل الثرثرة وتسفيهه لي، عندها لم أملك الا ان اسمعه سيلا من الكلمات الغاضبة التي لا استذكرها الآن لأنني حين لفظتها في وجهه كنت في اشد حالات الغضب ولا ادري ماذا قلت..
ما حكاه محدثي هذا يلامس واحدة من أهم عيوبنا ومآخذنا فى الخدمة العامة بشقيها الحكومي والخاص، اذ اننا لا نفصل بين وقت العمل الذي يفترض ان يخصص بكامله لأداء العمل فقط، ووقتنا الخاص الذي ننفقه فيما يخصنا، ولكننا للأسف ننفق غالب الوقت المحدد قانونا للعمل بثماني ساعات فيما لا علاقة له بالعمل، وقد اثبتت هذه الظاهرة الذميمة احدى الدراسات العلمية، فقد كشفت تلك الدراسة إن الزمن الفعلي الذي ينفقه العامل أو الموظف المحلي في عمله لا يتجاوز التسعين دقيقة مقارنة بثماني ساعات (480) دقيقة هي الوقت المطلوب في اليوم، وهذه بلا شك احدى مثالب خدمتنا العامة التي لابد من اجتثاثها، فالبلاد لن تتقدم خطوة نحو التطور وعبور ازماتها المتراكبة ان لم ننضبط ونخلص في اداء اعمالنا كل في مجال اختصاصه وعدم استغلالها فى الونسات والزيارات وقضاء الواجبات الاجتماعية، كما فعل هذا الصيدلي المستهتر ومثله كثيرون في مختلف مجالات العمل..
كما يثير ما اثار محدثي قضية اخرى تتصل بظاهرة أخرى مهدرة لوقت العمل، الا وهي ظاهرة أولئك الزوار المزعجون الذين يقتحمون المكاتب أثناء انغماس العاملين في العمل، فيضيعون وقتهم بالرغي والورجقة وتناول المشروبات، وتنقسم الزيارات المكتبية اثناء دوام العمل الى قسمين، فهناك زيارات يقوم بها زملاء المهنة الواحدة لبعضهم البعض، وهؤلاء يرتكبون خطأين جسيمين باضاعتهم لوقت زملائهم فى المؤسسة التي يزورونها، وبنفس القدر يضيعون على مؤسستهم الزمن الذي يقضونه خارجها بهذه الزيارات الاجتماعية، هذا طبعاغير الزيارات الاخرى التي تتم على حساب وقت العمل لأداء واجب عزاء أو حضور افطار سماية الخ، وهناك ايضا زيارات الاهل والاقارب والاصحاب والاحباب من الجنسين، وليس خافيا ما تسببه هذه الزيارات من خسارة لوقت العمل تنعكس بشكل مباشر على مستوى الانجاز العام للمؤسسة، هذا في الوقت الذي يعتبر فيه تسخير اوقات عمل الدوام الرسمي لانجاز المهام الوظيفية يمثل أعلى درجات الاهمية في مجال الادارة العامة لانه يعتبر مؤشر الانتاج والانجاز الحقيقي للعمل..ة