تعهد وزير المالية ابراهيم أحمد البدوي بالابقاء على دعم السلع في الوقت الراهن، وغض النظر عن مجادلة البعض في عدم وجود دعم (من أساسو) حتى يرفع أو يبقى، دعونا عطفا على حديث الوزير نؤمن على وجود هذا الدعم، وأهمية حديث الوزير عن هذا الدعم وضرورة الابقاء عليه على الأقل في الوقت الراهن، أنها تحمل ردا على التخوفات التي برزت في أوساط بعض المهتمين بالشأن الاقتصادي من تطبيق الوزير الجديد لسياسة رفع الدعم لكونه خبيرا اقتصاديا وثيق الصلة بمؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد، ودائما ما توصي هذه المؤسسات برفع الدعم عن السلع في السودان كمدخل لمعالجة الاقتصاد المأزوم.
وتشمل السلع المدعومة في السودان حاليا (ان وجد الدعم) المحروقات بمشتقاتها البنزين والجازولين وغاز الطبخ، إضافة إلى القمح والأدوية. وحسب إحصائيات حكومية سابقة، فإن قيمة الدعم على المحروقات بجميع مشتاقتها يصل إلى 2.250 مليار دولار سنويا، فيما تبلغ قيمة دعم القمح 365 مليون دولار سنويا..
من جانب آخر فان تعهد الوزير بالابقاء على الدعم فى ( الوقت الراهن)، يعني ضمنيا أن الدعم ليس هو الخيار الصحيح ولابد من رفعه يوما ما لمعالجة الاختلالات الاقتصادية، وعليه يبقى خيار الوزير بالابقاء على الدعم الان يماثل تماما (خيار أم خير) الذي يقول عنه أهلنا في الجزيرة (لا هو خير ولا الموت أخير)، وهو عند أهلنا في دارفور خيار من يعثر على بيضة أم كتيتي (أكان شالها كتلت أبوه وأكان خلاها كتلت أمه)، وتقول عنه بنات أم درمان (كدا ووب وكدا ووب) ويا له من خيار، ورفع الدعم هو الروشتة المحفوظة لصندوق النقد الدولي التي لم تصب يوماً في مصلحة البلاد، ورغم ذلك فقد ظلت سياسة رفع الدعم هي (الفرمالة) الوحيدة لحكومات العهد البائد التي لا تملك غيرها من حل أو خيال أو أفق، لحل الأزمة المالية والاقتصادية التي طال اطباقها على خناق البلاد، كلما استحكمت حلقات الأزمة هرعت الحكومة الى سياسة رفع الدعم تستنجد بها رغم أنها للمفارقة لا تنجيها ولم تصب يوماً في مصلحة البلاد، بدلالة الأثر التلقائي السالب الذي تلقي به على العديد من شرائح وقطاعات المجتمع الفقيرة ومحدودة الدخل وتزيد معاناتهم، كما تتسبب في رفع درجة السخط على الحكومة، بينما يقف الصندوق بعيداً يتفرج عليها ولا يقدم لها أي دعم يعينها على تنفيذ سياسته، وعلى مرارتها فان هذه الوصفة القاسية ليست مثل الدواء المر الذي يؤدي تجرعه على مضض للتعافي والشفاء، وإنما للمفارقة تقود إلى زيادة حدة الفقر في تعارض وتقاطع واضح مع أهداف الألفية الإنمائية التي تدعو لخفضه وتخفيف حدته، ومع توالي تطبيقات رفع الدعم عاما بعد عام، لم يراوح الحال مكانه في السؤ ان لم يتدحرج للأسوأ، ويظل وفاض الحكومة خاليا من أية تدابير أو أفكار غير رفع الدعم لانقاذ موازناتها المنفلتة والمعجزة، وهكذا بقيت حكاية الحكومة مع وصفة رفع الدعم مثل حكاية التاجر المفلس مع دفاتره القديمة..