حاطب ليل
د. عبداللطيف البوني
دولر بينا البلد دا!!
)1(
رحم الله القطب المريخي الشهير العم شاخور، ففي إحدى دورات رئاسته للنادي جاءه فريق السباحة وطَلب منه دعماً مادياً، فقال لهم )بتجيبوا قوون في الهلال؟( فردُّوا عليه كيف يتسنّى لهم ذلك وهم فريق سباحة؟ فقال لهم )أكان شربتوا البحر ما عندي معاكم شَغَلَة(! فالشاهد في الطرفة التركيز على هدفٍ واحدٍ فقط ولا شئ سواه.. يبدو لي أنّ هذا هو المَطلوب من الحكومة الحالية، بعبارة أخرى خطاب الحكومة أمام البرلمان ثُمّ ميزانيتها التي سوف تُقدِّمها في الأيام القادمة يُمكن بل يجب وجرياً على سنة شاخور أن تتلخّص في جملةٍ واحدةٍ وهي )حلة الملاح(، فالمعيشة أصبحت جحيماً لا يُطاق لدى مُعظم الشعب!!!
)2(
)حلة الملاح( تلخيص لبرنامجٍ طويلٍ، فهي تعني أولاً مُحاربة الفقر وهذا يبدأ بمُحاربة التّضخم الذي بلغ مبلغاً لم يكن مُتصوِّراً، ومحاربة التّضخم تعني إعادة الحياة للجنيه السوداني بالتالي كبح جماح الدولار وهذا يتطلب ترشيد الصرف العام ثُمّ زيادة الإنتاج، وهذا يعني أنّ البَرنامج الذي يَبدأ من حلة الملاح ينتهي بزيادة الإنتاج.. أما كيف يزيد الإنتاج فهذا هو بيت القصيد، يزيد الإنتاج عندما تتوجّه كل الطاقات والجُهُود إليه، وهذا يبدأ بتحديد الموارد التي لبلادنا فيها أفضلية والعالم يطلبها من زراعة وثروة حيوانية ومعدنية فنزيد إنتاجيتها رأسياً باستجلاب المدخلات المطلوبة ثُمّ الرعاية ثُمّ حسن التسويق وهذا يَتَطَلّب الإدارة الواعية التي لا تعرف الفساد ولا التّسيُّب بعبارة جامعة الحكم الراشد القائم على الشفافية والعدل والنزاهة، وبهذا نكون قَد تحََرّكنا من قُفة الملاح إلى أن وصلنا الحكم الراشد.. فإن لخّص الشيخ ود بدر الأمر في مقولة )مافي دَين بدون عجين(، يمكننا أن هنا نقول )مافي لقمة بدون حكومة كويسة(!
)3(
التضخم وضع مُعظم الشعب السوداني في حالة فقر!! وللخروج من دائرة الفقر كلنا متفقون، لا بُدّ من الإنتاج لكي يستعيد الجنيه السوداني مكانته.. إذاً كل سياساتنا اليوم ينبغي أن تكون مُوجّهة لاستجلاب الدولار لأنّ هذا أصبح قدرنا، نعم كان يُمكن أن تكون هناك سُبُلٌ أُخرى، ولكن بلادنا في الربع قرن الأخير تحكّم فيها مصرفيون فرموها في جحيم الدولار )الله لا كَسّبهم ولا غزّ فيهم بركة فقد دولروا حياتنا(!! وأصبح لا مخرج لنا إلا بهذا الدولار.!
فالخُرُوج عن مِحنتنا الحَاليّة يبدأ وينتهي بالدولار، وبعد ذلك يُمكن البحث عن خيارات أُخرى تقي البلاد من شَرّ الدولار مُستقبلاً.. فاليوم يوم الدولار فعلى الحكومة ومن خلفها الشعب أن تُوجِّه كل طاقاتها نحو هذا الزفت )دولار الجِـن دا(!!
وهنا نَسُوق الحديث للقطاع الخاص، فمن فضلكم وجِّهوا جُهُودكم من مالٍ وعِلاقَات نحو الإنتاج الحقيقي.. من فضلكم بطِّلوا حكاية الاستثمار في الخدمات مع أنّها حلال بلال، ولكن ترتيب الأولويات يقتضي الاتجاه لما يأتي بالدولار مُباشرةً.
أما الحكومة فمطلوبٌ منها أمران، الأول ألا يخرج منها دولار إلا ليأتي بدولارين، بطلي خمج فأوقفي سفر واستيراد باروكات ومفتحات بشرة!! ولكن الأهم من ذلك اضربي القطاع الطفيلي )دولار عقار( وكافة القطاعات غير المُنتجة.. لا بُدّ من قانونٍ رادعٍ يُعاقب على المضاربات بكافة أشكالها.
لن تَزدهر أيّة زراعة إذا لم تزل كل الحشائش الطفيلية فيها فكذا مجمل الحالة الاقتصادية، فإذا لم تزل القطاعات الطفيلية فلن يزدهر الاقتصاد، إن كنس القطاعات الطفيلية هو الذي يُمهِّد لنُمو اقتصادي مُعافى، لذلك قال علماء الأصول )دفع المضار مقدم على جلب المصالح(.