صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

دواعش السودان

22

بشفافية – حيدر المكاشفي

دواعش السودان

اعتدت على تناول قهوة الصباح عند بائعة شاي تعمل باحدى النواصي المطلة على شارع المك نمر، وفي الوقت الذي كنت انتظر فيه اعداد القهوة، بدأت منصات التواصل تتناقل أخبار وصور حادثة دواعش جبرة الأولى، وانخرط الحضور كعادة السودانيين في التداول حول الموضوع، غير أن ما شد انتباهي من تلك النقاشات، المداخلة التي تفضلت بها (ست الشاي)، قالت ست الشاي (يا جماعة دواعش ديل مش ياهم الناس القبل كدا جو بالشارع دا راكبين عربية ولابسين عمم سوداء ويهتفوا ويهللوا بالمكرفونات)، لحظتها عادت ذاكرتي للوراء ست سنوات (عام 2015)، واستحضرت مشهد عربة بوكس تحتل مقدمتها مكبرات صوت ويجلس على حوافها حوالي 8 أشخاص يتعممون بعمائم سوداء، ويرفعون رايات داعش السوداء ويلوحون بها معلنين أنهم دواعش السودان وأنهم فى سبيل مشروعهم لايخشون حكومة ولا شعب، ويومها استغرب الناس لهذه الجرأة التي اظهرها الدواعش، ومن أين استمدوها، ولماذا تتجاهل نشاطهم الأجهزة الامنية فتتركهم على راحتهم يجوبون شوارع المدينة ويعلنون عن نفسهم جهارا نهارا، ولعل هذا التساهل الواضح مع الدواعش يومها، هو ما جعل البعض يتشكك في أنهم دواعش حقيقيون، معتبرين ما حدث مجرد تمثيلية من النظام، أراد من ورائها الهاء الناس عن أزماتهم العويصة وصرفهم عن التظاهرات والاحتجاجات، ولكن رغم هذا التشكيك تبقى الحقيقة أن لداعش وجود حقيقي بالسودان بل ولبوكو حرام ايضا، هذا غير الحادثة المشهودة عن المبايعة العلنية لتنظيم داعش التي أعلنتها بعض الجماعات الجهادية السودانية، وكان برنامج الأمم المتحدة قد قدر عام 2016 أعداد الدواعش السودانيين بحوالي ثلاثة آلاف داعشي سوداني، عاد منهم إلى السودان بضع عشرات، وتجدر الاشارة هنا الى أن أفكار ومعتقدات السلفية الجهادية كانت قد بدأت في النمو والانتشار خلال فترة حكم المخلوع البشير الذي هيأ لها الأجواء والملاذ لتفرخ وتبيض، مثل تنظيم القاعدة الذي احتواه ورعاه النظام البائد وآوى زعيمه أسامة بن لادن الذي أقام في السودان لأكثر من خمس سنوات خلال تسعينيات القرن الماضي..

غير أن أكثر ما يقلق في الظاهرة الداعشية في السودان، هي قضية ذاك الشباب السوداني النضر من طلاب وطالبات الجامعات، الذين كانوا قد بدأوا يشقون طريقهم الى (الدعشنة) على أيدي الدعاة الدعاشنة، فمن المهم الالتفات لشريحة الشباب وخاصة في أوساط الجامعات والمعاهد لتحصينهم ضد الدعشنة، وذلك باقامة انشطة منعية استباقية توعوية، مع التركيز على البحث عن العلة وبذل الجهد للحصول على إجابة عن الأسئلة التي تمثل محور القضية وهي لماذا (يتدعشن) هؤلاء الشباب وكيف تتم دعشنتهم، وماذا وجدوا في الدعشنة ففضلوها على غيرها وهلمجرا من أسئلة تستهدف استكشاف العلة ومعرفة الأسباب، فــ (التدعشن) وخاصة في أوساط الشباب أضحى ظاهرة عالمية شملت حتى بعض الشباب الغربي من الجنسين، دعك من بعض شباب الدول العربية والإسلامية الذين كانوا قد انخرطوا في موجات توافد على داعش سواء من داخل أوطانهم أو من مهاجرهم، وما شبابنا الذي نجح في الهجرة الى داعش أو من ينتظر وتحدثه نفسه بالهجرة اليها، إلا حلقة صغيرة في هذه السلسلة المتسعة، وعليه فإن مشكلة الدعشنة ليست محلية صرفة تتعلق ببعض الطلاب والشباب بل لها بعدها العالمي الذي لا بد من استصحابه..أنا لا أملك وصفة محددة لمعالجة ناجعة للمشكلة، ولكن أعتقد أن هذا هو المنهج الصحيح للتعاطي معها، والكرة الآن في ملعب الجميع أسر ومجتمع ودولة..

الجريدة

                                                                            ة

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد