من أطرف التعليقات التي قيلت في مطرة الأمس، إن الخريف اندهش وتفاجأ بعدم وجود حكومة، بينما كانت الحكومة هي التي تتفاجأ وترتبك بحلول فصل الخريف ونزول الأمطار. وفي هذا التعليق الذكي إشارة ناقدة لجدول تحديد مواقيت تشكيل الحكومة القادمة، فهذا الجدول (الممهول) يؤخر إعلان تشكيل الحكومة وعقدها لأول اجتماعاتها الي اليوم الأول من سبتمبر القادم، أي بعد نحو قرابة الشهر وتحديدا بعد مرور خمسة وعشرين يوما من الآن، وهذا تطويل ممل يصيب الناس بملل الانتظار والترقب على ما عانوه من قلق ورهق وتعب وسهر ووجع عيون وضهر من الجلوس لساعات طويلة والتحديق في شاشات الفضائيات حتى مطلع الفجر، لمتابعة مسارات التفاوض المتعرجة بين صعود وهبوط والمتطاولة على مدى شهور طويلة، ولكن إذا كان الناس يمكنهم التحلي بفضيلة الصبر حتى موعد مباشرة الحكومة لمهامها، إلا أن الخريف لا ينتظر أحدًا وستوالي الأمطار نزولها ولا يعنيها في شيء بلدية ولا معتمدية ولا ولاية ولا حكومة ولا إمبراطورية حتى، بل الحكومات هي المعنية بها..
ورغم أن حكومتنا ما تزال في طور التخلق والتكوين ولم تولد بعد، المتوقع أن يخلق لها خريف هذا العام مشكلة عويصة وتحديدا بالعاصمة إضافة لما ينتظرها أصلا من مشاكل وقضايا مستعصية، مع ملاحظة أنها لا تزال في بداياتها الأولى تتحسس الميدان وتتلمس طريقها، فبحسب موقع (كوش نيوز) الإليكتروني، أن أحد خبراء الأرصاد الجوي توقع هطول أمطار غزيرة أعلى من المعتاد، وتوقع الخبير أن تتعرض العاصمة الخرطوم جراء هذه الأمطار غير المعتادة فيها لموجات من الغرق، وبناء على قراءاته هذه يقرع الخبير جرس الإنذار المبكر ويطالب باتخاذ أعلى درجات الحيطة والحذر، وليس من المستبعد أن تصدق توقعات وتنبؤات هذا المتنبئ الجوي، فأهلنا يقولون (الخريف من رشتو والعريس من بشتو)، وقياسا بمطرتي الأول من أمس وأمس تبدو نبوءة هذا الخبير أقرب إلى التحقق، فمطرة واحدة فقط طمبجت الخرطوم وامتلأت جراءها طرقات محلياتها السبع بالمياه والطين والخبوب والوحل وانتشرت بين الأحياء البرك الآسنة، وتوفرت بذلك البيئة الحاضنة والمفرخة للذباب والهاموش والناموس وغيرها من الحشرات الطائرة والزاحفة، ويزداد الأمر سوءًا على سوئه عندما يتحالف عليهم سواد الليل وحلكته بانقطاع الكهرباء مع جيوش البعوض التي عادةً ما تبدأ غاراتها تحت جنح الظلام وفي أجواء الكتمة، وما يستتبع ذلك من أن تشار للأمراض المرتبطة بسوء الأحوال البيئية وتلك المرتبطة بالمياه (( Waterborne diseases)) ، مثل الملاريات وغيرها من الحميات والإسهالات المائية والنزلات والالتهابات المعوية الخ، ومع التغير الحادث في المناخ مقروءًا مع توقع الخبير السالف ذكره، يكون من الممكن أن تشهد الخرطوم تحت أية لحظة أمطارا أخرى غزيرة مصحوبة بفيضانات وسيول، وحينها إذا حدث ذلك فلا يعلم إلا الله ما سيكون عليه حالها..