لستُ في حاجة للرد على الفنان (كمال ترباس) الذى ذرف الدموع في حوار تلفزيوني مع (قناة الهلال) على اغلاق الصالات وتوقف الحفلات مما عرضه للديون وللجوع …إلخ، وتهديده بالهجرة الى (دبى)، فلقد رد عليه الآلاف عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتناولوا حديثه بسخرية لم يتعرض لها
مطرب في السودان من قبل، كانت بمثابة استفتاء شعبي واسع ضد فتح الصالات وتعريض حياة الناس للخطر!
صحيح، هنالك الكثير من الممارسات والسلوكيات الخاطئة
وعدم الانضباط على المستويين الرسمي والشعبي في التعامل مع جائحة الكورونا والتقيد بالضوابط الصحية وتحاشى الازدحام وارتداء الكمامة الواقية ..إلخ، ولكن لا يعنى ذلك السكوت عن الاخطاء والاقتداء بها كما يطالب (ترباس)، بدلا عن تصحيحها وفرض ضوابط وعقوبات صارمة على من يرتكبها، خاصة مع الظروف الصحية السيئة في بلادنا وانعدام العلاج والدواء، وانتفاء أي امكانية في الوقت الحالي ــ ولا حتى بعد عام كامل ــ للحصول على اللقاح في ظل الندرة الكبيرة والمنافسة المحتدمة بين الدول الكبرى للحصول عليه، ولقد تابعنا على القنوات الاخبارية المعركة الحامية التي دارت ولا تزال بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي على اللقاح!
يزعم البعض ان الوباء بدأ في التراجع والانحسار، وانخفض عدد الاصابات والوفيات مما يدعو لتخفيف الضوابط، ولكن لا أحد يستطيع القطع بذلك مع عدم وجود إحصائيات دقيقة يمكن الاعتماد عليها، بالإضافة الى قلة عدد الفحوصات التي تُجرى في البلاد بما يجعل من الصعب معرفة نسبة تفشى الوباء بشكل دقيقة خاصة، ان أكثر من ثمانين في المئة من الاصابات ليس لها اعراض، ولكن يظل المصاب حاملا للميكروب وناقلا للعدوى بدون ان يدرك ذلك!
كما ان انخفاض عدد الاصابات والوفيات لا يعنى تراجع أو انحسار الوباء بشكل حقيقي، وربما يكون السبب هو الضوابط الصحية المتبعة، ومتى ما خُففت هذه الضوابط عاد المرض للانتشار بكثافة، وبالتالي فمن الخطورة تخفيف الضوابط بدون التأكد من الأسباب الحقيقية وراء انحسار الوباء !
تداولت وسائل الاعلام في اليومين الماضيين خبرا عن اجتماع اتحاد المهن الموسيقية باللجنة العليا للطوارئ الصحية جاء فيه:
“أجرى ممثلون للمكتب التنفيذي لاتحاد المهن الموسيقية واتحاد الفنانين، يوم الاثنين الماضي مناقشات مع اللجنة العليا للطوارئ الصحية، وممثلين لولاية الخرطوم، بشأن مراجعة القرار القاضي بإغلاق الصالات وايقاف الحفلات العامة والخاصة، الذى صدر عن سلطات ولاية الخرطوم للحد من انتشار فيروس كورونا، وضمَّ الاجتماع الى جانب عضو مجلس السيادة والرئيس المناوب للجنة العليا للطوارئ (صديق تاور)، النائب العام تاج السر الحبر، والأمين العام لولاية الخرطوم عبد المنعم عمر أحمد الذى قال في تصريحات صحفية ان الاجتماع خلص إلى عقد جلسة مشتركة بين الولاية واتحاد المهن الموسيقية للحوار والتفاكر لوضع الاشتراطات الصحية اللازمة التي تراعي السلامة العامة ومطالب اتحاد المهن الموسيقية، ومن جهته حثَّ رئيس الاتحاد عبد القادر سالم، على السماح لا هل الفن والموسيقى والصالات بممارسة حياتهم الطبيعية” انتهى الخبر.
لقد حاق الضرر بالعالم كله وليس السودان فقط، بسبب الاغلاق الاقتصادي والضوابط الصارمة التي اتُبعت للحد من انتشار الوباء، وتدهور الاقتصاد العالمي، وافلست الكثير من الشركات وفقد الملايين وظائفهم ومورد رزقهم اليومي، ولكن لا يمكن لعاقل أن يدعو لتخفيف الضوابط على حساب حياة وصحة الناس، بدون إحصائيات وبيانات دقيقة، ومن السذاجة ان نخدع أنفسنا بأن الناس سيلتزمون بالضوابط والاشتراطات الصحية التي ستتخذ في الصالات كمبرر لعودة الحفلات، بينما الكل يعرف الطبيعة العفوية والعشوائية والفوضوية للسودانيين !
لا يمكن أن يكون السلوك الخاطئ هو المبرر لارتكاب المزيد من الأخطاء، ولا يمكن فتح الصالات وقتل المواطنين بالوباء .. لأن السوق فاتح والمعارض شغالة، حسب فهم الفنان (كمال ترباس) الذى يريد أن يغنى ويقبض على حساب ارواح الناس!