)1(
رَضينا أم أبينا، قَرّرَ السُّودان السّير في طريق التطور الرأسمالي وركل أيِّ تَوجُّه اشتراكي، بالمُناسبة الاشتراكية عندنا تعني سيطرة القطاع العام على الإنتاج والتوزيع، بعبارة ثانية سيطرة الدولة على الحركة الاقتصادية وترك بعض المَجالات الضيِّقة في السُّوق والخدمات للقطاع الخاص.. بما أنّ التّوجُّه نحو القطاع الخاص أصبح تَوجُّهاً عالمياً طوعاً أو كرهاً، ركبنا نحن في السودان هذه المَوجة، وهاك يا سياسة تحرير وهاك يا حرية سوق وهاك يا تحرير لسعر الصرف وهاك يا تفكيك للمُؤسّسات التّنظيميّة الاقتصادية مثل مُؤسّسة الأقطان فكان خروج السودان من السوق العالمي، وشركة الحبوب الزيتية فكان تراجع الإنتاج لدرجة التصفير في بعض الحبوب، وشركة الصمغ العربي فكان الضل الوقف ما زَاد، والنقل الميكانيكي فكانت فوضى العربات التي تبكي منها الدولة الآن، ووزارة الأشغال فكانت فوضى المباني الحكومية التي لا تقل ضرراً عن فوضى العربات فمتى يعلن عنها؟ ومؤسّسة تصدير الماشية، وخَصخصة بنك الثروة الحيوانية فكان التدني في عائد هذه الثروة.!
المشكلة تمثّلت في أنّنا وباسم حُرية السوق والتحرير الاقتصادي قُمنا بحل تلك المُؤسّسات بحجّة أنّها قطاعٌ عامٌ ولم نصنع لها بديلاً، وافتكرنا أنّ الحكاية سداح مداح، والذي فات علينا أن تلك المُؤسّسات ليست أصولاً رأسمالية، إنّما هي تَنظيمية، نعم قد تكون بعض إدارات تلك المُؤسّسات استفادت فائدة شخصية، ولكن ما كان يجب أن يكون الحل في الحل، إنّما في إعمال القانون ووضع الرجل المُناسب في المكان، فالحمد لله بلادنا )كم فيها حاذق…( كَمَا غَنّى الخليل.
)2(
في الأسبوع الماضي، صَدَرَ قَرارٌ جَمهوريٌّ بفك احتكار استيراد الدواء، ومن المُؤكّد لا يُوجد شخصٌ يُمكن أن يتعاطف مع مُحتكرٍ، ولكن السُّؤال هل مُشكلة الدواء في السودان هي أنّه مُحتكرٌ؟ الكل يعلم أنّ الارتفاع الجُنُوني في أسعار الأدوية الذي حَدَثَ مُؤخّراً يرجع لارتفاع أسعار الدولار رسمياً )47,5( جنيه.. فلا يُمكن للمتعامل في الدواء أن يبيعه بأقل من ذلك، فإذا أرادت الدولة تحجيم أسعار الدواء، من المُؤكّد يجب عليها أن تفعل ذلك, عليها أن تدعمه وبعد ذلك تتحكّم في استيراده ثُمّ توزيعه، ففك الاحتكار لن يفيد مع ارتفاع سعر الدولار وعدم الدعم، فكيف يكون الحال لو قام كل من هَبّ ودَبّ باستخراج رخصة استيراد دواء وهاك يا فكيك نحو سوق الدواء العالمي ألا يعنى هذا الفوضى بعينها؟ ألا يزيد ذلك الطلب على الدولار؟ هل سيبيع المُشترون الجُدد بالخسارة؟ بالمُناسبة وبعيداً عن الدّواء حكى لي خبير اقتصاديٌّ قادمٌ من الخارج أنّه وجد الصمغ العربي السُّوداني مَعروضاً بعدة أسعار وكذا السِّمسم السُّوداني… وهذا يَعني كل واحد شايل ليهو قبضة وداخل بيها السُّوق.. فاتفرج!
)3(
لا يعني ما ذكرناه أعلاه، أنّ قطاع الدواء في السودان بخير أو لا يشكو من الفوضى، ويكفي هنا حصائل الصادر التي جُنّبت للدواء كيف هَبَرَ فيها )إخوان البنات( ولحَقُوهَا أمّات طه ويكفي قلة الأدوية الجنيسة )ليست الجنسية(، ويكفي قلة الأدوية المُسَجّلة ويكفي… ويكفي…!
يبدو أن بعض المُتعاملين في قطاع الدواء أكرِّر بعض، قد غاروا من القطاعات الطفيلية )دولار عقار( فأرادوا أن يلحقوا بهم بقطار الدواء، لكن الحل لَيس فَتح هذا القطاع للغَاشي والمَاشي، إنّما في تَنظيمه وهذا يبدأ بدعم سعر الدواء ثُمّ تفعيل هيئة الإمدادات الطبية التابعة للدولة، ثُمّ الرهان على ضمائر المُتعاملين في الدواء، ففيهم أناس خيِّرون، كما أنّ طبيعة السلعة تجعلهم مُختلفين عن تُجّار التُّمباك وكريمات التّفتيح والسّواطير وبعد ذلك إعمال سُلطة القانون، فالدولة في يدها كل شئ لكن )الراسو بَوجعو ما بيربطوا ليه كُراعو(..!
