استمعت في الآونة الأخيرة عدة مرات لرئيس الوزراء ووزير المالية والاقتصاد الوطني الأخ معتز موسى وكان واضحاً لي أنه جهّز نفسه للمرحلة الاقتصادية الحالية والمستقبلية وبدا إنه كان متمتعاً برؤى اقتصادية واضحة لا تنقصها العزيمة القوية لفعل شيء لوضع الاقتصاد السوداني في مساره الصحيح.. ولعل اتجاهه وتركيزه لضبط ولجم التضخم والعمل على استقرار سعر الجنيه أحد أهم أدواته لتحقيق ذلك بجانب العمل على الدفع بالإنتاج والإنتاجية وانطلاق الصادر وضبط الإنفاق الحكومي.
في تقديري يمكن إنجاز تلك الرؤى الاقتصادية في حالة واحدة وهو لجم الفساد الذي استشرى خاصة فيما قاله إنه سيعمل على إيقاف الإعفاءات والامتيازات الجمركية المنفلتة التي كانت طابع المرحلة السابقة والتي – كما ذكر لي مسؤول في الجهاز التنفيذي- أن تلك الإعفاءات تحجب ما لا يقل عن خمسين بالمائة من الإيرادات المتوقعة فلو نجح الأخ معتز في ذلك لاستطاع أن يضبط العجز في الموازنة العامة ولجم التضخم خاصة إذا استطاع إيقاف الصرف الهائل على حكومات مركزية وولائية ضخمة وترشيد الصرف على القطاع السيادي وقطاع الأمن والدفاع الذي يواجه التمرد العسكري والذي يمكن أن يتحقق ذلك عبر تحقيق السلام المستدام والتوافق الوطني بتنفيذ صادق وشفاف وحقيقي لمخرجات الحوار الوطني.
حقيقة كما قال آخرون أخشى مثلهم على الأخ معتز من مراكز القوى ومافيا الفساد الذين ستتضرر مصالحهم عندما يوقف تلك الإعفاءات الجمركية والسيارات الفاخرة التي كانت مصدر دخل وثراء كبير أو في الضبط المالي الذي سيقوم به والذي كان أحد أهم مخرجات وتوصيات اللجنة الاقتصادية في الحوار الوطني ولكن للأسف فشلت الحكومة السابقة في تنفيذ تلك التوصيات والمخرجات رغم الادعاء بأنها حكومة الحوار الوطني فازدادت نسبة التضخم وتدهورت قيمة الجنيه.
من المؤكد سيواجه الأخ معتز ما واجهه وزير المالية الأسبق المرحوم عبد الوهاب عثمان الذي فقد منصبه حين حاول إيقاف تلك الإعفاءات لمافيا الفساد و العمل على ضبط الصرف خارج الموازنة فقد كانت هناك أكثر من ألف وخمسمائة شركة وجهة ظلت تتمتع بإعفاءات جمركية وامتيازات لا تستحقها حيث لم تطبق معايير العدالة والإنصاف والتساوي في سياسة التحرير الاقتصادي التي كان يمكن أن تساهم في تحريك الاقتصاد لو طبقت بكفاءة وأمانة وابتعدت من التسييس ونهج التمكين.. لقد أضرت تلك الإعفاءات بحركة السوق ودخل بسببها السجون كثير من التجار ورجال الأعمال حين لم يستطيعوا منافسة مراكز القوى الاقتصادية ومافيا الإعفاءات.
أتمنى أن يكون الأخ معتز موسى مثل الرئيس أردوغان الذي قال إنه دفع بالاقتصاد التركي عندما حارب الفساد إلا إنه يجب القول إنه يحتاج لمعاونة الجميع فمهما اجتهد معتز فلن ينجح لوحده دون دعم الآخرين ولعل في إنشاء مفوضية مكافحة الفساد ودعم غير محدود من القيادة السياسة لتتركه يعمل دون تدخل مع كفاءة البرلمان وحرية الصحافة تشكل جميعها وسائل فاعلة لمواجهة الفساد.