صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

خطبة الجمعة

19

ساخر سبيل

الفاتح جبرا

خطبة الجمعة

إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
عباد الله:
لقد مدح الله تعالى في كتابه الكريم الاجتماع والائتلاف على الخير وذَمَّ الفرقة والتشرذم والاختلاف ؛ فالاجتماع قوة وسبيل لكل فضيلة، والاختلاف ضعف وهوان ، وهو نذير هلاك، ودليل بوار، وما اعتصمت أمة بكتاب ربها وسنة نبيها -صلى الله عليه وسلم- إلا نجَّاها الله تعالى، ورفعها على غيرها من الأمم؛ يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103] .
أيها الأحباب:
ليس من سبيل لانتشال بلادنا من مستنقع الضياع والتشرذم والتخلف إلا بنبذ الخلافات، وصهرها في أتون المحبة والوفاق والأخوة؛ لتستخلص منها شرابًا حلو المذاق تخترق رائحته الذكية أنوفًا أزكمها الميل عن الحق، وحب الذات وإتباع الأهواء والعمل على الفرقة والشتات وإعجاب كل ذي رأي برأيه.
ومما ورد -أيها المسلمون- في مدح الاجتماع والأمر به قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2]؛ حيث أمر تعالى بأن يكون المسلمون يدًا واحدة في التعاون على الخير والإصلاح، ولا يتأتى ذلك التعاون إلا بالاجتماع على الخير، والتآلف بين القلوب، والمحبة بين كل مكونات المجتمع .
كذلك حذرنا الرسول الأمين عن كل ما من شانه أن يبث الكراهية والبغضاء والفرقة ودعانا إلى الأخوة الصادقة فقال : (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تدابروا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا) .
فالأخوة الإيمانية والدعوة إلى الاجتماع والائتلاف تقتضي دفع السيئة بالحسنة: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، ومقابلة الشر بالخير، وكظم الغيظ مع القدرة على إنفاذه، والمغفرة وسعة الصدر مع المخالفين: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)، واللين والرفق بالمسلمين حتى وإن جهلوا وعابوا وأساؤوا الظن.
أيها الإخوة الأحباب:
إن سنَّة الله تعالى في الأمم أن تقع في الاختلاف، وهذا أمر طبيعي؛ (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) [الروم: 30]، سواء كان ذلك إختلاف في وجهات النظر أم إختلاف في تحديد الأولويات إلى غير ذلك من أنواع الإختلافات التي تفرزها تفاوت العقول والأفهام وقد أفرز ذلك حالة من التشرذم والتفرق أورثتنا خذلانًا وفشلاً، وضياعًا للكلمة، وسط ركام هائل من التنازعات، واعتداد كل صاحب رأي برأيه، فكان ذلك مصداقًا لوعيد الله -تبارك تعالى- في قوله: (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46]؛ فحالة الفشل المستشرية التي عشناها لم تكن إلا نتاجاً طبيعياً للتنازع والتفرق الذي أفضى بنا إلى هذه الحال .
عباد الله :
إن أعظم الأسباب المفضية إلى الاختلاف والفرقة هو إتباع الهوى، والميل عن الحق لغرض شخصي في النفوس فالهوى -عباد الله- سمٌّ فتاك، واتباعه نذير شؤم على الفرد والمجتمع؛ يقول -تبارك وتعالى- محذرًا نبيه داود -عليه السلام- من مغبة اتباعه لهواه: (وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص: 26]، فجعل اتباع الهوى انحرافًا عن سبيل الله تعالى، والانحراف عن سبيله سبب في العذاب الشديد في الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة الأحباب:
إن طَرْح الاهواء الشخصية جانبًا، واستسلام المؤمنين لله ابتداءً يُبطل أسباب النزاع، فما يتنازع الناس إلا حين تتعدد جهات القيادة والتوجيه؛ وإلا حين يكون الهوى هو الذي يوجِّه الآراء والأفكار، فإذا استسلم الناس لله ورسوله انتفى السبب الأول للنزاع بينهم مهما اختلفت وجهات النظر، فليس الذي يثير النزاع هو اختلاف وجهات نظر المتخالفين، فلَكَم اختلف العلماء من السلف والخلف، وظلوا مع ذلك إخوانًا متحابين متآلفين؟! إنما مثار التنازع والفُرقة هو الهوى الذي يجعل كل صاحب رأي يصرّ عليه، مهما تبين له أن وجه الحق في غيره (وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) [المؤمنون: 71].
أيها الإخوة الأحباب:
تحابوا في الله ولنكن يداً واحدة حتى تسلم بلادنا من كيد الأعداء والمتربصين سائلين المولى عز وجل أن يجمع شتات قلوبنا، وأن يوحد كلمتنا، وأن يباعد بيننا وبين الفرقة والاختلاف، وأن يقربنا ساعة فساعة من المحبة والمودة والائتلاف وأن يجعل هذا البلد آمنا وأ ن يجنبه الفتن ما ظهر منها وما بطن . وأقم الصلاة الهادرة داخل الساحة (الخضراء) وقام الشباب بتغيير اسمها إلى ساحة (الحرية) وخيرًا فعلوا، وفعلهم أغضب بعض الإسلاميين وثارت ثائرتهم باعتبار أن في ذلك محو لإنجازات قاموا بها ونسوا أن الشعب السوداني هو الذي دفع من حر ماله ميزانيات تشييد الساحة.. وحرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد