إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله.
عن كعب بن مالك الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه ” رواه الترمذي وغيره بإسناد صحيح
وحرص المرء على المال معروف منذ قديم الزمان ولا يحتاج إلى كثير شرح لذلك دعونا في هذه الخطبة نتحدث عن الحرص على طلب الشرف كالإمارة والإدارة والرياسة وغير ذلك من الولايات. وهو أشد فتنة من فتنة المال لذا يدفع المال لحصول عليه .
وطلب هذه الولايات يستلزم ضررا قبل حصولها من التذلل للمخلوق وتعظيمه وربما عصى الله بسببه وبعد حصول الولاية يرى لمن ولاه منة عليه فهمه رضاه ويخشى من غضبه عليه فيقيله من هذه الولاية ويوليها غيره فهمه رضا المخلوق فأعطى رئيسه قسطاً من عبوديته لربه من حيث لا يشعر. ومن طلب الرياسة في الدنيا لأجل العلو والرفعة وكل إلى نفسه وقلما يوفق فعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى اللهم عليه وسلم يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها ” رواه البخاري ومسلم). هذا في الدنيا أما في الآخرة فالأمر أشد على من لم يقم بحقها من العدل بين الناس وإنصافهم وتقديم أمر الله على ما سواه ﴿ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ﴾ وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى اللهم عليه وسلم قال إنكم سَتَحْرِصُونَ على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ” رواه البخاري فالولاية الدنيوية نعم المرضعة لما فيها من حصول الجاه والمالِ ونفاذِ الكلمة وتحصيلِ اللذات وبئست الفاطمة عند ترك الوظيفة لما يترتب عليها من التبعات في الدنيا والآخرة.
وإذا كان المقصد من طلب هذه الولايات العلو في الأرض ونفوذ أمره ونهيه على الناس وافتقار الناس إليه وظهور حاجتهم إليه وذلهم بين يديه في طلب حوائجهم فهذا مزاحمة لربوبية الله وإلهيته فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال الله عز وجل الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار “رواه مسلم وأبو داود.
عباد الله:
من تولى هذه الولايات وهو أهل لها ناصحاً للمسلمين يسعى في تحصيل المصالح على قدر وسعه ويدرأ ما استطاع من المفاسد فالولاية عنده وسيلة لتحصيل المصالح وتكثيرها ودرأ المفاسد وتقليلها سيان عند نفسه بقي في هذه الولاية أو عزل منها فهو على خير عظيم ومأجور في ولايته ونيته. لكن قبل أن يقدم الشخص على هذه الولاية لينظر في نفسه وصدقها في هذه النية ولينظر بعد توليه هل عمله عمل من جعل الولاية وسيلة لرضا ربه أو غاية في نفسها.
وليحذر من الانجرار في إرضاء المخلوق بمعصية الخالق فالمشاهد من البعض على ما فيه من خير أن قدمه تزل بعد ثبوتها والأمر على أول مرة فإذا هانت عليه معصية الله هان هو في عيون الخلق وجعلوه مطية لتحقيق أغراضهم ثم استبدلوه بغيره فخسر الدنيا والآخرة.
فإذا رأى من تولى هذه الولايات من نفسه عدم القدرة في مقارعة الباطل وإحقاق الحق أو رأى أنه يقصر في ما بينه وبين ربه في ظاهره أو باطنه فالنجاة النجاة قبل أن تستحكم ظلمة القلب فلا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا.