الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه .
أما بعد أيها المسلمون :
يقول صلى الله عليه وسلَّم : (إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ) ، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ثم قال صلى الله عليه وسلَّم: (إن الرجل يكون أشعث أغبر يرفع يديه ويقول: يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وقد غُذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب له).
ومما سبق أيها الأحباب نعلم أنه لا يستجيب الله عز وجل لعباده المتقين إلا إذا أدخلوا في بطونهم المطعم الحلال الذي نصَّ عليه أكرم الأكرمين عزَّ وجلَّ. ثم بين صلى الله عليه وسلَّم ما يفعل الحرام في قبول الأعمال أو رفضها، فقال صلى الله عليه وسلَّم: (إن العبد ليقذف باللقمة الحرام في جوفه لا يقبل الله تعالى منه عملاً أربعين يوماً)
هذا لمن أكل لُقمة واحدة، أما من يتغذَّى بالحرام، وأكله كله من حرام، فقد قال فيه الحبيب المصطفى صلوات ربي وتسليماته عليه: (كل جسمٍ نبت من حرامٍ فالنار أولى به) .
أيها المسلمون :
لقد أمرالله عز وجل المؤمنين أن يتحرُّوا المطعم الحلال في كل أحوالهم في الحصول على أرزاقهم، وفي اجتلاب مكاسبهم وطيباتهم، وركَّز الله عز وجل على ذلك في أسواقهم، لأن الأسواق هي التي عليها المدار في الأرزاق ، هذا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، جاءته تجارة من بلاد الشام تحمل دقيقاً على ألف جمل، ولم يكن في المدينة كلها حفنة قمح، فجاءه تجار المدينة وقالوا له: اعطنا تجارتك ولك ما تشاء، قال: كم تعطوني فيها؟ قالوا: ضعف ثمنها، قال: جاءني من زادني عن ذلك، قالوا، نعطك الضعفين، قال: جاءني من زادني عن ذلك، قالوا: ومن الذي جاءك ونحن تجار المدينة ولم يبقَ تاجرٌ من المدينة إلا جاء معنا؟!!، قال: (أُشهدكم أنِّي جعلتها صدقة على فقراء المسلمين، والله عز وجل أعطاني على ذلك عشرة أضعاف) كما قال الله عزوجل : (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) .
هؤلاء هم التجار الذين ربَّاهم النبي الأمين، وجعلهم خدمةً لمجتمعهم، يسعون إلى منافع إخوانهم، ولأجل ذلك ينزِّل الله البركة في أرزاقهم، فيغنيهم الله عزَّ وجلَّ في الدنيا ويسعدهم في الدار الآخرة، ويقول فيهم صلى الله عليه وسلَّم: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يوم القيامة)
أيها الأحباب :
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلَّم السوق ذات يومٍ على بعض التجار، فقال لهم صلى الله عليه وسلَّم: (يا معشر التجار ـ فتركوا البيع والشراء وأنصتوا إليه ـ فقال صلى الله عليه وسلَّم: إن التجار هم الفجار إلا من برَّ وصدق).
ثم دخل صلى الله عليه وسلَّم السوق ووجد رجلاً يعرض كوماً من البضاعة، فأدخل يده فيها فوجد على الوجه بضاعة جافة يابسة، وأسفلها بضاعة رطبة مبلولة، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ ، قال: أصابته السماء ـ يعني دخل عليه المطر ـ فقال له: (هلاَّ جعلته فوقه حتى يراه الناس؟ ، من غشَّنا فليس منا).
وحذَّر النبي صلى الله عليه وسلَّم من الغش بكل أصنافه، إن كان الغش في الوزن، أو كان الغش في الكيل، أو كان الغش في الصنف، أو كان الغش في السعر، أو كان الغش في استغلال جهالة المشتري بالثمن وللأسف أيها الأحباب فإننا نرى كل هذه الأنواع من الغش قد إستفحلت هذه الأيام .
إن كل من يغُشُّ هذه الأمة فليس منها يوم لقاء الله، بل إن الله عز وجل ورسوله يتخلّْون عنه ويُلقى في الهاوية – والعياذ بالله، إن لم يتدارك نفسه في الدنيا بتوبة بالغة إلى الله عز وجل، ويُصلح ما بينه وبين الله، ويردَّ المظالم – التي أخذها من خلق الله – إلى خلق الله ليُرضي الله جلَّ في علاه.
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا الأرزاق الحلال الطيبة المبارك لنا فيها، وأن يحفظنا من الفتن والحرام والذنوب والاثام ما ظهر منها وما بطن ، اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل زاهقاً وهالكاً وارزقنا اجتنابه، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.