صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

خطبة الجمعة

10

ساخر سبيل – الفاتح جبرا 

خطبة الجمعة

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد إخوة الإسلام:

يقول الله عز وجل: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّـهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) وقد يبتلي الله تعالى الناس ببعض ما كسبوا في أبدانهم أو أرزاقهم أو أمنهم أو ذريتهم ليعلم الصابرين منهم والشاكرين.

ومما يبتلي الله به عباده الغلاء، غلاء الأسعار وقلة السلع وندرتها مما يسبب للناس كثيراً من الرهق وضيق العيش ، فها هي أسعار المواد الضرورية للمواطنين تزيد كل يوم ناهيك عن بقية الحاجيات كمواد البناء والإيجارات، وخدمات التعليم والصحة وخلافه ، والمشكلة ما زالت مستمرة ومتزايدة، والغلاء يضرب في كل اتجاه وبلا هوادة، والأوضاع على أرض الواقع مهيأة لمزيد من الارتفاع بمعدلات أعلى من المعتاد.

أيها المسلمون :

إن غلاء الأسعار له نتائج ظاهرة من خلال عجز الناس عن توفير حاجاتهم الأساسية والقدرة على شرائها، وله نتائج غير مباشرة وآثار جانبية من تحول نسبة كبيرة من الطبقة متوسطة الدخل إلى الطبقة الفقيرة، علاوة على سعي بعض الناس للحصول على المال بطرق غير مشروعة كالسرقة والرشوة وما إلى ذلك .

وإن كانت العلوم والنظريات الإقتصادية الحديثة تقول بأن ذلك يحدث نتيجة لأسباب تتعلق بارتفاع أسعار الوقود، أو تدهور أسعار صرف العملات، أو انخفاض قيمة النقود، أو تحول الناس إلى أنماط اسـتهلاكية معينة، أو زيادة السكان … إلخ إلأ أن الناس يغفلون إلى أن الأمر في مجمله يرجع إلى مشيئة الله سبحانه وتعالى فهو الذي يُنعِم بالرحمة، ويبتلي بالشدة؛ ويبسط الرزق ويضيقه وفق سنته، وبمقتضى حكمته ، يقول الله تعالى في سورة العنكبوت الآية 62 (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، فهي إذًا أحوال يتبادلها الناس وفق حكمة الله الذي قال في محكم تنزيله في الآية 41 من سورة الروم : (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) وفيها يخبرنا -سبحانه وتعالى- أنه ما أصاب العباد من مصيبة في أبدانهم وأموالهم وأولادهم وفيما يحبون إلا بسبب ما قدمته أيديهم من السيئات، وأن ما يعفو اللّه عنه أكثر، فإن اللّه لا يظلم العباد، ولكن أنفسهم يظلمون وعن النبي -صلى الله عليه وسلم-: “ما من اختلاج عرق ولا خدش عود ولا نكبة حجر إلا بذنب، ولما يعفو الله عنه أكثر”.

أيها المسلمون :

إذن بعيداً عن النظريات والمصطلحات الاقتصادية فإن وجهة النظر الإسلامية لما يحيق بالناس من معاناة وشظف عيش هي الذنوب والمعاصي والإعراض عن شريعة الله وولوغ الكثيرين في المعاملات المحرمة، وغير ذلك من صنوف الذنوب والمعاصي فأحوال الحياة وأوضاعها مرتبط بأعمال الناس وكسبهم؛ وإن فساد قلوب الناس وعقائدهم وأعمالهم يوقع في الأرض الفساد ويجعله مسيطراً على أقدارها، غالباً عليها، قال الله تعالى في الآية 41 من سورة الروم : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) .

أيها المسلمون :

إن غلاء الأسعار كظاهرة من مظاهر الفساد، لا يظهر عبثاً، ولا يقع مصادفة؛ إنما هو تدبير الله وسنته تحقيقًا لقوله -عز وجل-: الآية 124 من سورة طه : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).

وهكذا فإن الله -جل وعلا- قد جعل لمن تمسك بدينه أن يعيش في الدنيا عيشاً هنيئاً، غير مهموم ولا مغموم ، كما قال -سبحانه وتعالى-: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طَيّبَةً)، وجعل لمن لم يتبع هداه وأعرض عن دينه أن يعيش عيشاً ضيقاً وفي تعب ونصب، ومع ما يصيبه في هذه الدنيا من المتاعب، فهو في الأخرى أشدّ تعباً وأعظم ضيقاً وأكثر نصباً.

عباد الله :

إن التوبة إلى الله والرجوع إليه تكفل للناس الحياة الطيبة مع عدم إغفال الحلول التي توصل إليها البشر، ومن ذلك مثلا: محاربة الفساد ووضع سياسة للحد من التضخم، والتصدي لعمليات التهريب ومراقبة الأسواق والأسعار والتجار ومحاسبتهم ، وتعزيز الإنتاج المحلي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وزيادة فرص التوظيف الحكومي، ورفع سعر صرف العملة الوطنية، وتنويع الاحتياطيات الأجنبية إلى غير ذلك من حلول اقتصادية بشرية ثبت جدواها، مع عدم معارضتها لأصل صحيح في شرع الله، ولكن مع اليقين الكامل والإيمان المطلق بأن هذه الحلول البشرية لن تؤتي ثمارها إلا بإذن الله ، كل ذك مع عدم إغفال أن التوجه إلى الله -عز وجل- بالدعاء المتواصل والرجاء فيما عنده -سبحانه وتعالى- والله نسأل أن يرفع عنا البلاء والغلاء وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد