الحمد لله الذي شرح صدورنا بالإيمان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهًا واحدًا فردًا صمدًا، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسوله،
أما بعد:
لقد سئل رئيس دولتكم السابق مطبق الشريعة وحامي حمى الدين عن ملايين الدولارات التي كان يخفيها بأحد منازله، فقال إنها ليست للدولة، بل هي هدية أهديت إليه! والشرع أيها المسلمون يقول بأنَّ كلَّ هديةٍ تُعطى للموظف بسبب وظيفته، حرامٌ عليه أخذها وذلك بإجماع جمهور العلماء وفي ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفظه حتى العامة بل ويتم تدريسه في مدارس الأساس حتى يعلم النشء عظم هذا الفعل الشنيع..
فقد ثبت في الصحيحين أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- اسْتَعْمَلَ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى جمع الزكاة، فَلَمَّا قَدِمَ وانتهى من جمعها، قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي، أي: هذه الزكواتُ جمعتها لكم، وهذه أَعْطَوْني إياها هدية، فغضب النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وقام خطيبًا، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: “مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلاَ قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ، حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لاَ؟! وفي رواية: أَلا جَلَسْت فِي بَيْت أَبِيك وَبَيْت أُمّك، حَتَّى تَأْتِيك هَدِيَّتك إِنْ كُنْت صَادِقًا؟!”.
والمعنى: لو لم تكن موظفًا عندنا، وكنت في بيت أبيك وأمك، هل كانت تأتيك الهدية؟! لو كنت صادقًا، فاقعد في بيت أبيك وأمك، وانتظر الهدية.
ثم قال: “وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا، إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ”.
عباد الله:
لقد أفتى العلماء الأفاضل جميعهم بأنَّه لا يجوز لأي ممن يتولون منصباً عاماً قبول الهدايا لأن ذلك من الغلول المحرم، فالفارق بين الهدية المحرمة والهديةِ الجائزة هو أن ما كان لأجل عمل الإنسان ووظيفته، فهو محرم، وضابطُه: أن ينظر الإنسان في حاله، لو لم يكن في هذا العمل، هل كان سيُهدى إليه؟! وهذا ما بيَّنه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: “فَهَلا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا
عباد الله:
إن هدايا صاحب الوظيفة العامة من المسؤولين حكمها واضحٌ جليّ، وهي أنها مُحرَّمةٌ مطلقًا فبأي حق بل بأي دين وشريعة وقانون يبيح الرئيس المخلوع لنفسه ذلك وقد كان لا يفتأ يتحدث عن الشريعة والإسلام الذان هما منه براء؟
وإنى والله لأعجب لبعض الشيوخ الذين ما برحوا يتصايحون خوفاً على الشريعة والإسلام بعد ذهاب حكمه الفاسد وكأن ما كان يطبقه (رئيس الهبات) هذا خلال الثلاثين عامًا التي حكم فيها البلاد قد كان مقصده فيها الشريعة وهدفه منها رفعة الإسلام ونحمدالله أنه قد بان عطب ذلك القول وكذبه واتضح للجميع بما فيهم هؤلاء الشيوخ أن (رئيسهم) لا يتوانى عن أكل الحرام وتحويل أموال الضعفاء من رعيته إلى مصلحته الشخصية .
أيها المسلمون :
إن الإجتراء على الطلب وتعوُّدُ انتظار الهبات والإكراميات، و(استساغة) نفس المسؤول لها هي عادةٌ سيئة، ينبغي القضاءُ عليها ومحاربتُها؛ لأن الإسلام يدعو إلى عزة النفس وسُمُوِّها، وارتفاعِها عن التطلع إلى ما في يد الآخرين، بل يُحرِّم المسألة إلا عند الضرورة فما بالكم أن يأتي ذلك من رئيس دولة يدعي ورهطه العمل بشرع الإسلام وترتفع عقيرتهم أن (لا لدنيا قد عملنا)؟
عباد الله:
إن الهبات والمساعدات التي تمنحها الدول بعضها لبعض إنما تأتي طوعًا وفق اشتراطات ليس بينها إراقة ماء الوجه والتزلف والخنوع والمذلة وهي إن جاءت إنما تدخل إلى بيت مال المسلمين وخزائنه لتصرف على حاجاتهم من مشاريع وخدمات لكنها لا تدخل إلى جيوب الحكام والمسؤولين وتحفظ في منازلهم وتصرف حسب أهوائهم لتكون سببًا في الفساد والإفساد.
أقول قولي هذا وأهدي كلماتي هذه لكل من ارتفعت (حلاقيمهم) ينعون ضياع (الشريعة) وتعرض الإسلام في هذه البلاد المسلمة القانتة إلى الخطر بعد زوال حكم (الإنقاذ) الذي كان وبالًا على هذه الأمة وتشويهًا لصورة الإسلام داعيًا الله سبحانه وتعالي أن يحمي هذه البلاد ممن يتاجروا باسم الدين ومن كل أفاك أثيم.
نسأل الله تعالى، أنْ يحمي هذه البلاد من الفتن والبلايا، والفساد والرزايا إنه على كل شيء قدير وأقم الصلاة.