تختلف تقديرات نجاح أو فشل الإضراب الذي دعت إليه قوى الحرية والتغيير التي عرفت اصطلاحاً (بقحت) خلال اليومين تبعاً لموقف البعض من ضفتي الصراع، هل من أتباع الحركة والتغيير؟ أم من مشجعي المجلس العسكري الذي وجد نفسه يخوض معركة سياسية قبل أن يعد نفسه لها.. أتباع (قحت) يباهون بنجاحهم في تعطيل مصالح المواطنين وتنفيذ بعض الواجهات الخدمية للإضراب بنسبة لا تقل عن 95% مثل مصرف بنك الخرطوم وبنك فيصل الإسلامي وشركتي تاركو وبدر للطيران وبعض موظفي الكهرباء والمياه.. أما المجلس العسكري فيعتبر قد كسب المعركة الأولى بنجاح.. لفشل قوى الحرية والتغيير في تعطيل حركة المرور.. ورفض شركات النقل الاستجابة لدعاوى الإضراب.. واستمرار الحياة عادية في الأسواق ومحطات خدمات الوقود وسريان التيار الكهربائي وعدم انقطاع خدمة الهاتف.. ولا البث الإذاعي والتلفازي ولا توقف حركة البصات بين الولايات، كل تلك تقديرات أطراف الصراع..
لكن الخسائر الفادحة للإضراب تمثلت في الاستقطاب الحاد وسط الخدمة المدنية وانقسام جبهة الموظفين إلى مع وضد.. واستغلال صغار الموظفين والموظفات في مظاهر التحشيد السياسي.. والدفع بهم إلى الطرقات حاملين شعارات الإضراب، ورفض الإضراب في مشهد (مأساوي) يتفطر له قلب الإنسان السوي، فتيات في ريعان الشباب وفلذات أكبادنا من الشباب الخريجين يدفع بهم المتصارعون إلى هجير الشمس الحارقة وهم صيام لخدمة أجندة السياسة بعضهم (يغطي) وجهه بالشعارات والبعض الآخر يصطنع الحماس خوفاً على مصيره حيث بلغت التهديدات الموظفين بأن رفضهم للإضراب ومقاطعته شهادة إثبات لانتمائهم للنظام السابق وأن سيف التطهير وقطع الأرزاق الذي أعلنته بعض مكونات قوى الحرية والتغيير سيطالهم عما قريب جداً.. ساعة وصول (قحت) إلى الحكم وتعيين الحكومة المدنية..
في هذا المناخ الملبد بغيوم السياسة ورائحة الانتقام وتصفية الحسابات.. اختارت بعض المؤسسات السير في ركب المضربين.. وهناك مؤسسات تسعى لنظافة (سيرتها) وملفاتها.. وتحصين نفسها من الملاحقة (بموالاة) الحكام الجدد المنتظر وصولهم إلى مجلس الوزراء مقبل الأيام وفي مثل هذه المناخات تغيب شمس العدالة.. ويكثر المنافقون والطامحون ويصمت الشرفاء.. ولكن الخدمة المدنية التي تعاني أصلاً من الضعف والوهن وفقدان الفاعلية والمبادرة قد (غرز) مناخ (التشاحن) والتباغض الحالي المسمار الأخير في نعشها بعد أن قسم الإضراب موظفي الوزارة والمصرف الواحد إلى (فريقين) كل فريق يكيد للآخر كيداً.. ويتربص به وفي ذلك خسارة فادحة للوطن وللخدمة المدنية التي غرقت في بحر السياسة مثلما غرقت سفينة القضاء والنيابة العامة في لجة الصراع والاستقطاب وأضحت كل مؤسسات الدولة في نظر المواطنين العاديين واجهات سياسية مباحة لمن (يركب) كرسي السلطة بالانقلاب أو الثورة أو بطرق أخرى..!!