منذ العام 2013 ظلت سياسات تصدير الذهب غير ثابتة ولا مستقرة، الأمر الذي أدى إلى هروب معظم إيراداته خارج القنوات الرسمية.
توقيت استخراج الذهب عبر التعدين الأهلي والشركات صادف خروج البترول من إيرادات الدولة عقب انفصال الجنوب، وأسهم في ردم جزء من فجوة الموازنة وأبعد البلاد من شبح الانهيار الاقتصادي. لكن كان كل هذا قبل دخول مجموعة من التماسيح إلى قطاع تعدين الذهب وفتح نوافذ التهريب.
فلو استقرت الدولة على سياساتها في فتح باب التصدير ولم تدخل كتاجر لكان الأمر الآن مختلف فيما يختص بموارد النقد الأجنبي، وما كانت الدولة تتخبط في السياسات والإجراءات التي تعتقد أنها ستوفر إيرادات للإيفاء بالاحتياجات الأساسية للمواطن.. خبز.. دواء.. محروقات.
الأسابيع الماضية وعقب إعلان سياسات إصلاح قطاع الصادر تم فتح مجال التصدير لأربع شركات. لكن الشاهد في الأمر وحتى هذه اللحظة لم يصدر بنك السودان المركزي أي منشور خاص باحتكار تصدير الذهب للشركات الأربعة. ولم تحدد بالأسماء ولا كيفية وضوابط عملها، وبالتالي يبدو أن الحكومة تراجعت عن هذا الاتجاه في حينه، ودليل ذلك القرار الذي صدر أمس عن رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية معتز موسى بتحرير صادر الذهب بشكل كامل.
المؤكد أن الحكومة اتخذت القرار السليم وإن كان في وقت متأخر. لأن تحرير قطاع الذهب لو كان قبل عام مثلاً لما وجدنا الحكومة في حيرة من أمرها وهي تبحث عن سدّ العجز في استيراد السلع الأساسية، وما كانت البنوك في أزمة ولا الأوضاع الاقتصادية عموماً كما هو الحال الآن.
الاحتكار أدى إلى تزايد معدلات التهريب ولم تفلح كل الإجراءات الأمنية في القضاء عليه، بل كان الأمر مغرياً لتجار العملة إذ أنهم وجدوا البديل الأفضل والأسرع.
قرار تحرير صادر الذهب لم يأتِ مفاجئاً كما ذكرت بعض وسائل الإعلام، فهو جزء أصيل من البرنامج التركيزي للإصلاح في قطاع التعدين والموجود في برنامج الإصلاح الاقتصادي لحكومة معتز موسى التي أعلنها فور توليه رئاسة الوزارة. هذا البرنامج لا يشمل فقط صادرات الذهب وإنما الإنتاج أيضاً.
أمس سألت محافظ بنك السودان المركزي عن الجانب الإصلاحي الخاص بالإنتاج، فأكد لي أن العام 2019 سيشهد فعلاً سياسات جديدة في عملية الإنتاج. ولأهمية ما ذَكَره محافظ البنك المركزي، فضلت أن أُورد التفاصيل كخبر على الصفحة الأولى من هذه الصحيفة.
الكرة الآن في يد القطاع الخاص؛ فإما أن تكون شركات الإنتاج والتصدير على قدر المسئولية في تنظيم عملية التصدير ومتابعة دخول عائدات الصادر إلى خزينة الدولة، أو أن تظل الفوضى مستمرة ويستمر التهريب للموارد.
غرفة مصدري الذهب باتحاد الغرف التجارية بذلت مجهوداً مقدراً ومعلوماً في تحرير صادرات الذهب، فهل لديها المقدرة في تنظيم عمليات الاستيراد ومحاصرة التهريب؟. أعتقد أن عليها مسئولية كبيرة في تنفيذ الضوابط وسد الثغرات حتى لا تضطر الحكومة لاتخاذ إجراءات بديلة تنسف ما تم من سياسات مشجعة.