عام آخر أطل علينا يُذكرنا بأنّ بلادنا تحرّرت في مثل هذا اليوم من قيود الاستعمار ونالت حُريتها بفضل مُجاهدة الخُلّص من أبناءها المُستنيرين الذين ناضلوا وضيّقوا على المُستعمر براحات البلاد على اتساعها ولم يجد أمامه من السُبل غير الخُروج من أرضٍ أوصل الوعي أهلها إلى مرحلة الرفض الصريح ، وأن لا أمل في البقاء معهم لاستغفالهم ونهب ثرواتهم ، خرجوا وفي أنفسهم حسرة على ضياع بلاد كالسودان تتمتّع بثرواتٍ هائلة تُغني الامبراطورية البريطانية عن استعمار غيرها من دول العالم.
ثُم ماذا بعد هذا الانجاز العظيم ..؟
هل وجدت شجرة الاستقلال التي غرسها الأزهري ورفاقه من يرعاها حتى تُثمر من ثمراتها المُشتهاة شيئاً يدفعنا للفرح والاحتفاء به..؟
ظللنا نُغني ونُمجّد في أنفسنا بأنّا قهرنا بريطانيا وأخرجناها من بلادنا (قسراً) وانطلقنا في ساحات الحُرية نتسابق على حُكم أنفسنا ونلهث وراء مقعدِ حُكمٍ تبادل في الجلوس فيه العسكري والمدني والمحصلة النهائية يُغني الحال فيها عن السؤال ، على أعتابِ العقد السابع نقف ، ولم نسأم بعد من التغني واجترار ذكرى تلك الأيام الخالدات واعادة شريط تلك اللحظات الجميلة التي عاشها من عاصروا الانجليز وشاهدوا بأعينهم كيف تمّ الجلاء وارتفع العلم السوداني ورفّرف عالياً في سماء الحُرية وحل مكان علم المُستعمر البغيض.
الفشل الواضح في ادارة سودان ما بعد الاستقلال لا يحتاج منّا لجرد حساب والواقع البئيس يدُلنا على مُعطيات الأمس البائسة واهدارنا لعقود من الزمان ضيّعتها الصراعات الداخلية والاختلاف على من يحكُم ، وقد بدّدت سنوات الحُكم الوطني بشقيه (عسكري ومدني) ثرواتنا وعمّقت فينا جراحاتٍ لم ولن تندمل بالأماني والأغنيات ، للأسف لم نتعلم من تلك الأخطاء ولم نسلُك فيها تلك الطُرق التي سلكها من نالوا استقلالهم بعدنا ووصلوا ببلدانهم إلى محطات الرضاء الكامل وأوجدوا لها أمكنة مُتقدمة في قائمة الدول ، وما بين صفوف الخُبز الأزمات يلهث المواطن السوداني ، وفي من يُصبح وزيراً ومن يكون سفيراً أو والياً حتى وإن لم يكُن مؤهلاً لها ظلّت حكوماتنا مشغولة في مُحاصصاتها وستظل كذلك (إن) لم ننتبه ونسمو بأنفسنا وبلادنا عن هذا العبث.
نقول للسيد حمدوك أنّ الكُرة اليوم في ملعبكم والله وحده أعلم في ملعب من تكون الكُرة غدا ، والفُرصة مواتية لتغيير جذري في شكل الحُكم ، ولن يتأتى ذلك إن لم تنجح هذه المرة في اختيار القوي (الأمين) ، واعلم بأنّ حواء السودان أنجبت من لديهم القُدرة على اخراجنا من نفقِ الأزمات المُظلم ، ومن يُعيدوننا إلى جادة الطريق (بأفعالهم) لا بكثرة أقوالهم وما في بلادنا من خيرٍ يكفينا ويكفي غيرنا إن تضافرت الجُهود وفتحتُم باب الرأي المسدود وأمنّتُم لنا الحُدود ، حتى نفرح ونحتفي باستقلالنا حقا.