في خطابه أمس بمناسبة الذكرى 63 لاستقلال البلاد أثنى الرئيس البشير على صبر الشعب السوداني على الضائقات وقال إن الانجازات التي تمت تتقاصر امام التضحيات الكبيرة التي قدمها هذا الشعب وتتقاصر أيضاً أمام ما يتطلع اليه الشعب من تقدم يتناسب وإمكانيات البلاد…بعد ذلك ذكر الرئيس في خطابه نقطة في غاية الأهمية وهي أن التقدم لن يكون إلا بالحرص على مبدأ الكفاءة والنزاهة والمحاسبة والعدالة وزيادة الفاعلية والشفافية…
ولنبدأ من حيث انتهى خطاب الرئيس في ما يتصل بالجزئية المتعلقة بشروط التقدم والنهضة والإصلاح السياسي، والاقتصادي واعتقد أن الرئيس مُحق تماماً فيما ذهب إليه في أن كل ذلك لن يتم إلا بمعايير الكفاءة والنزاهة، والعدالة والمحاسبة، لكن هل حرصت الدولة على هذه المعايير الأربعة؟… قطعاً الإجابة لا…
الذي يتمعن الأوضاع الحالية من تردٍ وتدهور في الإنتاج ، وفساد مستشرٍ وبصورة مزعجة ، وما يحل بمجتمعنا من ضائقات وفوضى عارمة ، كله بسبب غياب تلك المعايير الأربعة التي ذكرها الرئيس:)الكفاءة والنزاهة، والعدالة والمحاسبة(…
الرئيس أيضاً تحدث عن استراتيجية وضعتها الدولة للخروج من الأوضاع الحالية، ما يفرض سؤالاً جوهرياً وفي غاية الأهمية: هل الدولة وضعت في خطتها إعادة النظر في المعايير الأربعة التي ذكرها الرئيس والتي لا مخرج إلا بها:)الكفاءة والنزاهة، والعدالة والمحاسبة(؟…
فإذا أخذنا اليوم معيار الكفاءة نستطيع القول إنه لا توجد اليوم كفاءات والدليل على ذلك العجز والشلل التام الذي أصاب الدولة رغم مواردها الضخمة وشعبها يعيش الكفاف والفقر المدقع والحرمان من أساسيات الحياة والدليل الأكبر فشل الدولة وعجزها في إدارة الأزمة الحالية..، وسؤال آخر:هل انتهت معايير الترضيات والموازنات على حساب الكفاءة؟..كلا والله لا تزال، والمحاصصات هي سيدة الموقف المأزوم.
وإذا أخذنا معيار المحاسبة، نستطيع القول إن المحاسبة تكاد تكون معدومة تماماً والدليل الفساد الذي ظهر في البر والبحر وعبر مطار الخرطوم وصالة كبار الزوار وتقارير المراجع العام والتهريب الذي طال حيواناتنا البرية والآثار وحتى العقارب الميتة، وكذلك حملة الاعتقالات والتسويات التي طالت »القطط السمان«…
أما النزاهة والعدالة فأرى أن غيابهما هو ما أفسد الحياة السياسية التي أصبحت اشبه بالمِلْك الحر لحزب المؤتمر الوطني يحتكر موارد الدولة ومناصبها الدستورية والمواقع الحساسة، ويوزع تهم العمالة والارتزاق لمن يختلف معه سياسياً، ويهدي صكوك الوطنية لمن يواليه ويجري خلفه، فهل هذه النزاهة والعدالة الاجتماعية التي لن تتقدم الدول والمجتمعات إلا بها..
لكل ما تقدم أرى أن مهمة العبور إلى بر الأمان والإصلاح صعبة للغاية وأكبر من أن تُختزل في كلمات ، فإذا أرادت الحكومة أن تعيد النظر في معيار الكفاءة فهذا يقتضي إزاحة كل الذين جاء بهم قطار »التمكين والولاء« للمناصب والمواقع على حساب الكفاءة… وإذا أرادت المحاسبة كضرورة ملحة للإصلاح فالأمر يتطلب محاسبة رؤوس الفساد الكبيرة بعيداً عن التسويات خلف الكواليس.. وهذا الأمر ينطوي أيضاً على بقية معايير النزاهة والعدالة…اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين