ما رأيكم في أن نغادر سويا منطقتنا المضطربة، التي لا تعرف كوعها من بوعها، والتي تجلس مثل بطات بلاستيكية في مدينة ترفيهية في انتظار من يطلق عليها الأعيرة ليفوز بالغنيمة الموعودة، تعالوا معي إلى ديفون بإنجلترا، ولنذهب تحديدا إلى بلدة سيدموث الصغيرة لنزور ملجأ للعجزة والمعاقين.
أهلاً بكم في بيتكم الثاني… ودعونا أولا نطلع على قائمة الطعام التي ستقدمها لنا تلك الممرضة الجميلة سودابينت: سندويتشات من شرائح الخبز الأبيض والأسمر،… لحظة.. هل لاحظتم أن الحشية تحوي أيضًا بعض قطع حلوى بولو المنعنعة؟ لكل نزيل عشرة سندويتشات، محشوة بالفقع، نعم الفقع الذي تجوسون الصحراء أياما بحثًا عن بضع قطع منه، والذي هللتم بسبب حبكم له قبل أيام بأمطار عنيفة جاءت قبل موعدها، وسببت خرابا في عدد من الدول العربية، ووفيات بالجملة في العراق، وتحلت الحكومة العراقية ببعض الحياء ولم تقل إن داعش تسبب في تلك الامطار.
أعود إلى المنيو في دار العجزة: مع السندويتشات، نحو عشرين قطعة من بسكويت الزنجبيل… أنا شخصيا أحب هذا النوع من البسكويت، وخاصة ذلك الذي تصنعه شركة مكفيتيز البريطانية التي تشتهر ببسكويت دايجستف الأصلي!! انتبهوا أيضًا إلى أن الممرضة تحمل صندوقًا به أدوية التهابات المفاصل والعيون والأقدام إلى جانب تشكيلة من الفيتامينات، فكما ترون فإنه على الرغم من الغذاء الجيد المقدم إلى النزلاء فإن بعضهم متقدم في السن ويحتاج إلى رعاية خاصة، ولا سيما أولئك الذين تجاوزوا الخامسة والعشرين وبدأت الشيخوخة تهد قواهم!! إكسكيوز مي مستر جافر، انت في سنايل؟ تهريف؟ ماذا تقصد بقولك النزيل إن الذي تجاوز الخامسة والعشرين يعاني من ويلات الشيخوخة؟
سوري مستر دونكي!! هل نسيت أنني رحبت بك في بيتك الثاني؟ ألا ترى أننا في ملجأ للحمير، من دون لا مؤاخذة؟ نعم يا جماعة فالملجأ الذي نزوره اليوم والذي تقدم فيه تلك الممرضة الفاتنة أكلات عجيبة، هو واحد من عشرة ملاجئ مقامة في ديفون للحمير التي تم إنقاذها من السيركات والمزارع في مختلف أنحاء أوروبا، بعد أن كانت تعاني من الاضطهاد والسخرة وسوء التغذية، وتبلغ المساحة الإجمالية لتلك الملاجئ 2500 إيكر وتضم ثلاثة آلاف حمار، الإيكر الواحد يساوي 4000 متر مربع، )واحسب انت باقي المساحة الكلية لدار العجزة الحميرية(. نعم تضم هذه الدار الصغيرة ذلك النوع من الحيوانات الذي ينهق وليس من فصيلة »بالروح بالدم نفديك…!!!«، وقد بلغت جملة التبرعات التي تلقاها ملجأ الحمير هذا خلال العام المنصرم 25 مليون دولار، كما أن لديه عددًا من البنايات الوقفية التي تدر عليه عائدًا ثابتًا بالملايين.
بدأت بريطانيا أخيرا تتشدد في منح اللجوء السياسي لأبناء وبنات الشعوب الأخرى، وكان اللجوء إلى هناك فيما مضى حكرًا علينا أعضاء الجامعة العربية، حيث كنا )سبحان الله( نفر إلى لندن بديننا وأفكارنا، ثم علّمنا شعوب أوروبا الشرقية التسول فسبقونا إلى الأبواب، وصرنا نحن بيرسونا نن قراتا )أشخاص غير مرغوب فيهم بلغة الدبلوماسية(، لأننا همج متوحشون… ولكننا نستأهل لأننا نحمل جوازات سفر مزورة تفيد بأننا بشر، على الرغم من أن من زودونا بها يعتبروننا حميرًا، ومن ثم ينبغي أن نتمتع بحق العيش في تلك الملاجئ في ديفون: وجبات مضمونة… علاج منتظم من دون واسطة.. لا أحد يركب فوق ظهورنا.. لا ضرب ولا شتائم… لأننا سنكون تحت كفالة تيريزا ماي، وباي باي أمريكا طالما دونالد ترامب جالس على عرشها، وجعل المسلمين سيم سيم مثل الكوريين الشماليين، وقطعا سيرفض مساواتنا بحمير ديفون وخاصة أنه يشك في انتمائنا إلى جنس البشر.
طبعا حمير فرنسا هي الأكثر تدليلا لأن كفيلتها برجيت باردو الممثلة التي كانت لهلوبة، وجننت في السبعينيات شعوب آسيا وأوروبا.