حميدتي..حميدتي..حميدتي..طوال الأيام والأسابيع الماضية لا تسمع في الفضائيات والاذاعات والفيديوهات ولا تقرأ في الصحف والمواقع الاليكترونية اسما يتردد بكثافة غير حميدتي،بل حتى ونسات الشلل ونقاشات المجالس يتصدرها حميدتي،فتسمع وتقرأ أن حميدتي فعل وحميدتي ترك وحميدتي قام وحميدتي قعد،فقد ملأ هذا الاسم الفراغ تماما وتمدد فيه ولا تثريب عليه فالطبيعة لا تعرف الفراغ،فأينما يوجد فراغ فثمة من يملأه،بل أن الرجل (ركب ماكينة رئيس جمهورية) وصار يتصرف ويصرح ويقرر على هذا النحو،فهو على سبيل المثال التقى قيادات وقواعد الشرطة حادثهم ووعدهم ثم تبرع لهم،وبالمثل فعل مع العاملين بشركات الكهرباء،كما التقى قيادات وقواعد الجيش في سلاح المدرعات،وفعل مثل ذلك في جهاز الأمن والمخابرات،ثم طيران الى الطيران المدني ولقاءه العاملين فيه والتبرع لهم،وبالطبع لم ينس المعلمين من أحاديث المطايبة والعطايا،وتتابعت وتتالت الجولات واللقاءات،لم يترك لا ادارة أهلية ولا ادارة مدنية ولا ائمة مساجد ولا حتى السجون التي زار أحدها واطلق فيه العديد من الغارمين بعد سداد ديونهم،وها هو الآن يشارك في القمة العربية ممثلا للدولة السودانية،وغض النظر عن صحة أو عدم صحة وقانونية وعدم قانونية ما يفعله حميدتي،الا أنه على ما يبدو تعامل مع هذا الفراغ بنهج شيوخ العرب من شاكلة أمرنا له بمائة ألف دينار وناقة صهباء وجارية حسناء وغلام أمرد،وما أصدره حميدتي من قرارات تماثل تلك الأوامر الأميرية التي كان يصدرها بعض المترفين المنعَّمين الغارقين في متع الحياة من أمراء العرب وملوكهم وشيوخهم الذين لم تكن تفصل بين ضياعهم الخاصة والإمارة العامة أي حدود أو فواصل، بحيث يمكنهم إصدار أخطر القرارات وهم جلوس بين ندمائهم في مجالس الشرب والأنس والطرب يحيط بهم الغلمان وتطوقهم الجواري من كل جانب وتدور عليهم الكؤوس والموائد ممدودة وعامرة بأطايب الأكل ولذيذ الشراب،وكان المضحكون والمهرجون والمهراجات و(كسارو التلج) من الشعراء والمداح والحكائين يعمرون هذه المجالس بالقصص والقصائد التي تمجد صاحب المجلس، فتعمر منها جيوبهم بالدنانير المؤلفة..
الذي يحير في كل هذا الحراك الذي ينشط فيه حميدتي بدلا عن أعضاء المجلس العسكري كافة دعكم عن رئيسه،هو لماذا يفعل حميدتي كل هذا ودون أن يثير ذلك اعتراض زملائه العسكريون،هل لأن الرجل ينفذ عمليا في المقترح الذي نقل عن قوش بضرورة نقل مركز السلطة الى غرب البلاد بدلا عن شمالها ولهذا ينشط الرجل في اعداد نفسه لتلك المرحلة،أم أن ما يفعله الرجل لايبتغي فيه سلطة ولا جاه وانما هو لله والوطن الى أن يتم تسليم الأمانة لأهلها،وعني شخصيا لا أستطيع الجزم بهذا أو ذاك وعندي أن ما ينشط فيه حميدتي (حمدو في بطن حميدتي) على قول الوداعيات في أيما أمر يكتنفه الغموض،أو على قولة أخرى (المعنى في بطن حميدتي) على غرار المقولة الشهيرة (المعنى في بطن الشاعر)والتي تقال أيضاعندما يكتنف الغموض أمر ما، سواء كان قولا أو فعلا؟..والقادمات من الأيام حبلى نأمل أن لا يلدن كل عجيب..