عاشت البلاد لأكثر من ستة أشهر بدون حكومة، ولكن كنا متفائلين بأن الذين أنجبوا هذه الثورة يمكنهم أن يضعوا لبنات قوية وراسخة تساعد على قيام حكومة تقف على أرض صلبة، لذا فإن التمحيص والتدقيق من قبل رئيس الوزراء لاختيار أعضاء حكومته بالمواصفات التي يريدها لا يشكل إزعاجاً للآخرين، أو هي محاولة للمطاولة للحد الذي يؤثر على أعصاب الناس، ولكن اعتقد بأن الحكومة القادمة ستكون من أفضل الحكومات التي حكمت السودان من حيث الكفاءة والتأهيل والتدقيق، إن رؤساء الوزراء الذين مروا على البلاد لو استخدموا الأسلوب الذي اتبعه الدكتور “حمدوك” في اختيار هؤلاء الوزراء وبهذه المواصفات الدقيقة والرجوع إلى ماضي الشخص، ما أظن أن هناك من شغلوا المناصب الوزارية في الحكومة السابقة، أي حكومة الإنقاذ، كان يحق لهم تقلد أي وظيفة في الدولة ناهيك أن يكون وزيراً، فالفشل الذي أصاب الإنقاذ كانت تلك المجاملات وعدم المعرفة الحقيقية لمن تريد الإنقاذ أن تضعه في موقع المسؤولية، فالحكومة التي شكلتها الإنقاذ قبل حكومة الصدمة، تم ترشيح شخص لمنصب وزير العدل، صحيح الرجل يحمل درجة البكالوريوس من جامعة الخرطوم، وله ماجستير ولكن المشكلة في أن هذا الشخص الذي كان سيصبح وزيراً باب قوسين أو أدنى لو لا اكتشافه في آخر لحظة، فلو كان التدقيق سليماً والتمحيص حول الشهادات من الأول، لما وقعت الإنقاذ في هذا المطب، حتى إذا كانت سيرته الذاتية سليمة، وليس فيه أي عيب، كان بالإمكان التقاضي عن درجة الدكتوراه وتنصيبه وزيراً للوزارة التي كان سوف يشغلها، خلال فترة الإنقاذ كان باب الوزارة مفتوحاً لكل من هب ودب، فيتم تعيين وزراء لا يصلحون أن يكونوا مدراء مكاتب، ناهيك من وزير يضع السياسات والخطط والبرامج، لذا فإن العمل الذي يقوم به رئيس الوزراء، الدكتور “حمدوك” في اختيار طاقمه، سليم ويمكن أن يكون بداية لاختيار الوزراء في الديمقراطية الرابعة التي سوف تأتي عقب انتهاء الفترة الانتقالية، فرؤساء الأحزاب والمتطلعون إلى الوزارات يجب عليهم منذ الآن أن يعملوا بالطريقة التي عمل بها رئيس الوزراء “حمدوك”، فالبلاد لن ينصلح حالها ما لم تكن لدينا كفاءات بحق وحقيقة كما الكفاءات التي حكمت البلاد إبان النظام المايوي، فلا أحد يستطيع أن يصف أي وزير خلال الحكم المايوي بالضعف أو الفساد أو الرشوة أو المحسوبية، فجلهم كانوا على مستوى عالٍ من التعليم والنزاهة والقدرة على تسيير البلاد، والآن تعود إلى البلاد قيادات من نفس الطراز ومن نفس الشاكلة التي تتصف بالعفة والنزاهة وطهارة اليد واللسان، فالدكتور “حمدوك” قد أكسبته الفترة التي أمضاها في المنظمات الخارجية، الخبرة والتفاني في العمل والتجرد.. فالكل الآن ينظر إليه وكأنه الفانوس السحري أو عصا “موسى” لإخراج البلاد من الحالة التي تعيش فيها، فهو الأمل الوحيد الذي نتمسك به في حل كل مشاكل البلاد، ولذلك أراد أن يكون في حكومته طاقم من نوع خاص وفريد يتمتع بكل الصفات التي يتمتع بها، وكأنما الأشخاص الذين اختارهم يمثلون صورته الحقيقية، لذا نحن متفائلون بأن عملية التدقيق التي قام بها هي التي سوف تعطينا حكومة متجانسة ومتلائمة تستطيع أن تنجز الكثير من القضايا التي تنتظرها خلال تلك الفترة البسيطة من عمر الانتقالية.