بعد أبريل ١٩٨٥ وسقوط نظام مايو رفع شعار تمجيدي للسيد الصادق المهدي، وحينها لم يجمع بعد بين إمامة الأنصار ورئاسة الحزب، كان الشعار (عاش الصادق أمل الأمة)، نعم عاش الصادق، ونسأل الله أن يعيش طويلاً، ولكن خاب فأل الأمة، وتبدد الأمل لحسرة، وسقط النظام الديمقراطي في ٣٠ يونيو ٨٩ ولم يقل أحد للعسكر الذين أسقطو النظام “جر”.
وجاء البشير، وهتف الشعب من ورائه (سير سير يا بشير)، فسار بهم خطوة للأمام وخطوتان للوراء، وحافظ البشير علي الأمن، ولكنه أهدر القيم وأقام نظاماً طغت عليه الفردانية في عصر القومية.
والآن جاء الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس وزراء متفقاً عليه من غالب أهل السودان، وقواه السياسية، رشحه تجمع المهنيين الذراع النقابي للحزب الشيوعي السوداني مع بعض الإضافات من أحزاب الأمة وفصيل من الاتحاديين وبعثيين وناصريين وحركات مسلحة وحركات غير مسلحة، وأيد تعيين حمدوك أغلب السودانيين وحتى الإسلاميين الوطنيين يجدون حرجاً في معارضته كشخص، لأنهم أول من سعى إليه للاستفادة من خبرته وكفاءته كوزير مالية في حكومتهم، ولذلك لن يرفضوه كرئيس وزراء إلا من الوجهة السياسية، ولكن حمدوك لم يأت كناشط بقدر ما رجل دولة لإنجاز مهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة .
نحن شعب مؤمن بالرجال الملهمين، وطغت ثقافة الفرد على الجماعة لا نقول حكومة مايو، بل ننسبها لنميري والإنقاذ وعبود، كلها انقلابات قادتها نخبة من الضباط من خلفهم أحزاب، ولكننا مغرمون باختزال الانقلابات في قادتها، ولكن في عهد الثورات لا ينبغي التعلق بالأشخاص مهما كانت درجة تأثيرهم على مسار الأحداث وعظم تضحياتهم وبلاء جهادهم ونضالهم ،
والدكتور عبد الله حمدوك له تجربته في المنظمات الدولية وله خبرته الواسعة الأفقية والرأسية في التخطيط والتنفيذ وعلاقات إقليمية ودولية جيدة جداً توفرت له كل أسباب النجاح، ولكنه بالطبع يفتقر لخبرة رجل الدولة، وهي خبرة مكتسبة ولا يملك بيده مالاً يدفع به لتغذية خزانة خاوية من الدولار، وموسم زراعي لا يتوقع له النجاح المنشود لضعف الاستعداد وغياب الحكومة، ويساعد حمدوك فريق من الوزراء يجري اختيارهم الآن من عناصر قوى الحرية والتغيير أو ممن ترضى عنهم أحزاب التحالف، وحتى الآن لم تتضح معالم وشخوص حكومته، لذلك التفاؤل مطلوب في هذه المرحلة، ولكن التفاؤل شيء والأوهام شيء آخر.
حكومة حمدوك لن تستطيع تغيير الواقع المزري إلى جنة عرضها السماوات والأرض، وما يتردد في بعض وسائل الإعلام العجولة من أخبار عن انخفاص في أسعار الدولار مقابل الجنيه السوداني لمجرد تصريحات أطلقها حمدوك لهو محض تغبيش لوعي الناس، وكما يقول مالك عقار إنها (بلبصة ساكت). انخفاض الدولار يعني ارتفاع قيمة العملة الوطنية، فكيف ينخفض الدولار لمجرد كلامات يطلقها مسؤول وكأن الدولار مجرد كلمة تُقال في سوق السياسة؟
حسناً أن يشعر الناس بالرضا لتعيين شخص، ولكن الأسوأ أن نقف متفرجين في انتظار ” جيفارا” في محطة القطار يأتي لنا بالطعام والشراب، وحسناً عندما دفع فريق السيدة العجوز “جيفنتوس” مبلغ مائة مليون دولار لجلب البرتغالي كرستيانو رونالدو صانع الأمجاد وصياد كؤوس الذهب ، ولكن رونالدو عجز عن الفوز بكأس أروبا مع الطليان حينما لم يجد من يساعده في الوصول لشباك المنافسين، ومن يمنع الآخرين من النيل من شباك السيدة العجوز.
في يوم ما في هذا السودان دفع المريخ أو دفع رئيس ناديه جمال الوالي ما يقارب الخمسة ملايين دولار من أجل لاعب من نيجيريا اسمه وارغو من أجل أمجاد الكؤوس الأفريقية فلم يحصد المريخ حتى كأس الدوري السوداني، لأنه اعتمد على وارغو وتخلى عن المنظومة الجماعية لفريق كرة القدم .
فهل يصبح رئيس الوزراء الجديد هو وارغو السياسي أم نسعى جميعاً كسودانيين لمساعدته ودعم خطة حكومته التي بشرنا علي الحاج بإسقاطها قبل تشكيلها، وتلك من سقطات السياسيين في بلدان العالم الثالث، وكان د. علي الحاج يقتفي أثر الرعيل الأول الذي قال قائده: سنعارض الجمعية التشريعية ولو جاءت مبرأة من كل عيب.
قليل من الصبر والرهان على جماعية الأداء لا مهارة كابتن فريق قوى الحرية والتغيير من شأن ذلك تحقيق أهداف كلية يسعى إليها الجميع، ولكن الرهان فقط على حمدوك كشخص لهو رهان الخاسرين دون شك في ذلك.