ثلاث أحداث عاصفة شهدتها العاصمة الخرطوم أمس ونقلتها وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثف، أدت إلى تصعيد كبير في الأحداث، فالأول كان إغلاقا كاملا لبعض شوارع الخرطوم الرئيسية (شارع النيل) والجمهورية، حيث قام الثوار بإغلاق شارع النيل منذ الصباح الباكر بالمتاريس، ما أدى بدوره إلى حالة إختناق مروري حاد في جميع أنحاء العاصمة الخرطوم، والحدث الثاني كان إغلاق شارع الجمهورية يمتاريس حديثة قوامها كنفوي سيارات عطل بدوره الحركة المرورية بالعديد من الشوارع الرئيسية المؤدية إلى أكثر المناطق حيوية بالعاصمة، وهذا الترس كان من خلال سيارات البلاغات الخاصة بعمال الهيئة القومية للكهرباء والذي قام به أكثر من 500 من العاملين بالهيئة، مطالبين فيه المدير العام بكشف الاسباب الحقيقية لقطوعات الكهرباء بعد ان تزايدت البلاغات من قبل المواطنين حتى وصلت يوم أمس إلى 2000 بلاغ حسبما أفادر مصدر من داخل الإعتصام. (لاحقا تم قضَ الإعتصام عبر الشرطة باطلاق الرصاص والغاز المسيل للدموع مع وقت الإفطار).
أما الحدث الثالث فكان خبر صحيفة اليوم التالي والذي تحدث عن هروب العباس البشير شقيق الرئيس المخلوع من سجن كوبر وسفره إلى تركيا، وما صاحب هذا الخبر من ردود افعال عنيفة بالشارع السوداني وداخل ساحة الإعتصام التي بادر ثوارها برفضها بشكل ثوري حاد لم يترك لفرصة لألتقاط الانفاس من جميع الجهات المعنية.
هذه الخطوة التصعيدية المباغتة من قبل الثوار، أفاقت المجلس العسكري الإنتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير معا، فالأول قامت قواته ممثلة في الجيش والدعم السريع بإغلاق كوبري بحري (الحديد) أمام حركة المواطنين الراجلين وعدد من المنافذ الأخرى لمنع الثوار من الوصول للقيادة ومنع وصول عربات الثلج والمياه والطعام من الوصول للصائمين المعتصمين، كرد فعل موازي لموقف الثوار، وذات المجلس أعلن بشكل مفاجئ عن مؤتمر صحفي في التاسعة مساء قبل ان يتراجع عنه بشكل مفاجئ أيضا ويعلن تأجيله لوقت يحدد لاحقا.
(قحت) إختصار لقوى إعلان الحرية والتغيير، بدورها استجابت لخطوة الثوار، واصدرت بيانا تصعيديا ايضا حددت فيه جداول المواكب بالاحياء
والتي لم تستثني منطقة، وتجاوب معه الكثير جدا من سكان العاصمة المثلثة، ويبدو أن الضغط على المجلس العسكري و(قحت) جاء من قبل الثوار بعد المماطلة المملة في المفاوضات غير المجدية خاصة من قبل العسكر، فالثوار وضح انهم غير معنيين كثيرا بما ستسفر عنه المفاوضات، فبخطوتهم التصعيدية أرسلوا رسالة للجميع بأن جمهوريتهم قادمة لا محالة، وحكومتهم لا تنتظر أن تخرج للعلن من رحم المفاوضات، بل من الشارع، ولم يعد مقبولا لهؤلاء الثوار، التهاون في قضيتهم.
التصعيد السياسي هو مطلب الثوار وحتما سيأت بنتائج إيجابية متى ما تجاوب معه الشارع بقوة، وعلى (قحت) أن تعي أن الخطوة الإستباقية للثوار حسمت لهم الكثير من الوقت ولم يتبق سوى خطوة إعلان العصيان المدني والذي بدأه عمال الكهرباء امس، ومؤكد ان الخطوة المتهورة التي قامت بها الشرطة بفضَ إعتصامهم وقت الإفطار سيكون لها ما بعدها وستقود للمزيد من الإحتقان في الشارع وبقية المؤسسات الحساسة بالدولة ما يعني أن خطوة العصيان المدني باتت قاب قوسين أو أدنى والكرة الآن في ملعب تجمع المهنيين وحلفائه في قوى إعلان الحرية والتغيير.
المجلس العسكري ليس أمامه سوى إعادة النظر في مراوغاته ومحاولاته المستميتة والمكشوفة في الإلتفاف على مطالب الثوار، فإذا تعامل مع هذا التصعيد بعنف مؤكد سيكون كمن نحر نفسه، وإذا ما تعامل معه بعقلانية، فالعقلانية والمنطق يقولان ان تسليم السلطة لحكومة مدنية معترف بها من قبل الثوار ستجنبهم العديد من الكوارث، أقلها محكمة الجنايات الدولية، وكما قال المثل (سلم تسلم).