إن الحكومة التي شكلها البرهان بعد انقلابه المشؤوم، هي بكل المقاييس من نوع الحكومات الذي يطلق عليه (حكومة الأمر الواقع)، وبإجماع علماء السياسة والادارة والحكم، ان حكومات الأمر الواقع هي تلك الحكومات التي يتم تشكيلها لممارسة السلطة التنفيذية، بلا أي مرجعية أو معيار قانوني، بل يتم تشكيلها بقانون (القوي يأكل الضعيف) على طريقة الفتوات ورباطي الطرق، وبهذا المعنى فان أيما حكومة يتم تشكيلها بعد انقلاب، هي حكومة أمر واقع بامتياز، فهي بذلك يظل وجودها غير شرعي وتفتقر أفعالها للشرعية لانتهاكها للمعايير المتعارف عليها، وبالضرورة ان من لا شرعية له لا اعتراف به..
المهم أن عبد الفتاح البرهان أو ان شئت سمه على طريقة مناوي عبد الوهاب البرهان أو عبد الفتاح السيسي لا فرق، المهم ان البرهان اصدر قرارا بتكليف خمسة عشر شخصا من الرجال والنساء لتولي مهام خمس عشرة وزارة، هي وزارة شؤون مجلس الوزراء، وزارة الخارجية، وزارة العدل، وزارة الزراعة والغابات، وزارة الصناعة، وزارة التجارة والتموين، وزارة الطاقة والنفط، وزارة الري والموارد المائية، وزارة النقل، وزارة الاتصالات والتحول الرقمي، وزارة الاستثمار والتعاون الدولي، وزارة الصحة، وزارة العمل والإصلاح الإداري، وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، وزارة الثقافة والإعلام، وزارة الشباب والرياضة، وأبقى قرار البرهان نصيب وزراء الجبهة الثورية الذي نالوه ضمن المحاصصة التي أقرتها اتفاقية جوبا على ما هو عليه، حيث يشغلون وزارات الحكم الاتحادي، المالية، المعادن، الثروة الحيوانية، التنمية الاجتماعية، ووزارة التنمية العمرانية والطرق والجسور..
اللافت والمحير في تشكيلة حكومة الأمر الواقع التي اعلنها البرهان، أنها خلت تماما من أية اشارة لوزارتي الدفاع والداخلية، حيث لم يبقي قرار البرهان على وزيريها السابقين، الفريق يس ابراهيم الذي شغل منصب وزير الدفاع، والفريق أول شرطة عزالدين الشيخ الذي شغل منصب وزير الداخلية، كما لم يعين البرهان بديلين لهما مكلفين كما فعل مع بقية الوزارات، رغم الأهمية القصوى لهاتين الوزارتين، فلو كان البرهان مثلا تجاهل وزارتي الشباب والرياضة والثقافة والاعلام، لكان في ذلك شئ من المقبولية، باعتبار أن شأن الثقافة والاعلام والرياضة شأن أهلي يقوده ويديره المجتمع، وفي التشكيلات الوزارية للدول الكبرى لا تجد مثل هاتين الوزارتين (الرياضة والثقافة والاعلام) ضمن التشكيلة، فهل ياترى استغنى الانقلابيون عن وزارتي الدفاع والداخلية لعدم الحاجة اليهما في هذه المرحلة الانقلابية، باعتبار أن قادة الانقلاب هم من يتولون بالكلية الشؤون الأمنية والدفاعية بأنفسهم ولا حاجة لهم بوزراء مكلفين أو أصلاء، أم تراهم على رأي بعض الساخرين أن الأهم في الجانب الأمني بعد الانقلاب هو ردع وقتل المحتجين السلميين واعتقال وتعذيب النشطاء وتكميم الأفواه، وهذا عمل لا حاجة لهم لادائه لوزيري دفاع وداخلية، أم ماذا هناك بالضبط وراء هذه الخطوة العجيبة والمحيرة..