صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

حكومة (أوزون)!!

18

على كل
محمد عبد القادر
حكومة (أوزون)!!

من أكثر الانتقادات التي توجه لقوى الحرية والتغيير أنها ذات اهتمامات (خرطومية) نخبوية، تنتهي حدودها في حديقة أوزون بـ(الخرطوم اتنين)، لا تملك حلولاً لقضايا الولايات وأزمات الهامش، ولا تلامس أوجاع السودان الكبير بجغرافيته المعقدة وتقاطعاته المتعددة.
لم يأتِ هذا الاتهام من فراغ بالطبع، فاهتمامات (قحت) عبر أفكارها ورؤاها المطروحة للحلول لم تتجاوز الجهاز التنفيذي على المستوى المركزي، غابت المعالجات المطلوبة لقضايا المحليات والولايات ومستقبل الحكم الفيدرالي، وانزوى عن خطابها حديث التنمية المتوازنة.
لم تحظَ قضايا الهامش بالاهتمام اللازم في أطروحات قوى الحرية والتغيير قبل وبعد الحكم، حتى تعيين الولاة في الوثيقة الدستورية تم منحه لمجلس الوزراء، ولم يستحوذ (مفاوضو قحت) عليه نصاً، مثلما ورد بشأن المجلس التشريعي المنصوص صراحة على أن (67%) منه لقوى الحرية والتغيير، وكذلك مجلس الوزراء الذي نالته (قحت) بالكامل.
قبل أيام كان الدكتور عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء، يوجه انتقاداً حاداً للوثيقة الدستورية، ويقول إن واضعيها من ممثلي قوى الحرية والتغيير لم يفكروا أبعد من الخرطوم، هذه إشارة مهمة تستبطن ما ظل يلاحق حكومة (قحت) من اتهامات بأنها (عاصمية) لا تتجاوز حدود اهتمامها (دائرة السنتر)، لكن حمدوك فات عليه أن واضعي الوثيقة لم يكتبوا عليها سوى ما توصل إليه الاتفاق السياسي بين العسكر والمدنيين، وأن ما أقروه لم يخرج عن حدود اهتمام وطرائق تفكير ومرجعيات المفاوضين من جانب المكون المدني.
مطلع سبتمبر المنصرم كانت الفاشر تصرخ وللمرة الثانية في وجه وفد قيادات قوى الحرية والتغيير الدكتور محمد ناجي الأصم والأستاذ خالد سلك، وهي تهتف (السلام وينو؟)، لحظتها تحسرنا على موت أجمل وأنبل شعارات ثورة ديسمبر (كل البلد دارفور)، وكتبنا محذرين (قحت) من الانكفاء على المركز وإهمال قضايا الهامش، قرعنا حينها جرس الإنذار وكتبنا: (ما أقسى موت الشعارات النبيلة واحتضار الأشواق الكبيرة).
تكرر التعامل البارد مع قوى الحرية والتغيير في (الفاو)، حتى خرجت نيالا عن بكرة أبيها في موجة احتجاجات عاصفة لثلاثة أيام ضد المركز، الذي تقود سلطته التنفيذية (حكومة الثورة)، مطالبة بالخبز والوقود والعدالة، الخرطوم ذاتها تظاهرت ضد (حكومة قحت)، متضامنة مع مواطني نيالا، لحظتها حذرنا من انتشار عدوى الاحتجاجات على حكومة ينبغي أن تمنح الفرصة الكافية قبل الحكم عليها، لكنا طالبناها- أي الحكومة- بإظهار خطوات جادة باتجاه قضايا المواطن وأزمات الهامش، بما يقنع أهل الجنينة وبورتسودان بأنهم محل اهتمام الحكومة في الخرطوم.
الملاحظ أن المكون العسكري في المجلس السيادي بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، هو الذي يتصدى للأزمات في الولايات، وأن ممثلي قوى الحرية والتغيير غالباً ما يكونون (صحبة راكب)، دونكم إبرام الصلح بين قبائل النوبة والبني عامر بواسطة حميدتي في البحر الأحمر، وانتقال مجلس السيادة للالتئام بنيالا في أعقاب الأحداث الأخيرة.
الأوضاع في الولايات تبدو الآن أسوأ مما كانت عليه، الأزمات تتلاحق والمواطن المغلوب على أمره يطارد الخبز والوقود، ويعاني الغلاء والأمرين في سبيل الحصول على (لقمة العيش)، الحكومة الموسومة بخرطوميتها لا تحرك ساكناً إزاء واقع يتدهور يوماً بعد يوم، ولا تخاطب أسئلة الشارع الملحة عن الحاضر والمستقبل.
الأسبوع الماضي كان الحكام العسكريون يتبرأون من الأوضاع في الولايات، ويؤكدون أن (الفراغ الدستوري) الذي تعيشه ليس في صالحها، ويطالبون بإعفائهم جراء ما يواجهونه من تحديات ومصاعب ومصائب.
بعض ما عمق الفجوة بين أهل دارفور على سبيل المثال وقوى الحرية والتغيير، مضاعفات التفاوض بأديس أبابا وما أسفر عنه من أزمة مع مكونات الجبهة الثورية، هذا الخلاف ألقى بظلاله على ملف السلام، وباعد بين (قحت) وأهل الهامش بمكوناتهم السياسية والعسكرية.
المطلوب من قوى الحرية والتغيير وحكومتها بقيادة حمدوك إيلاء الولايات ما يلزم من اهتمام والخروج من حدود الخرطوم على مستوى الخطط والبرامج والتحرر من (سلطة أوزون) في التخطيط والتفكير، والانفتاح على الولايات عبر أطروحات قومية توحد حظوظ كل أهل السودان في قطف ثمار التغيير

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد