بشفافية – حيدر المكاشفي حكمة الشياب الغائبة في جبل الشياب
أحداث دموية مؤسفة وقعت الأسبوع الماضي بمنطقة (جبل الشياب) بولاية غرب كرفان (يبعد حوالي 70 كلم جنوب شرقي الفولة حاضرة الولاية)، وراح ضحية هذه الأحداث بحسب بعض التقارير عشرين قتيلاً وأكثر من أربعين جريحاً بينهم أفراد من القوات النظامية التي تدخلت لاحتواء القتال، ودارت هذه الأحداث الكارثية بين مكونين قبليين من مكونات الولاية (بطن الدريهمات من قبيلة المسيرية الزرق وبطن السحايا من قبيلة الحمر)، وتباينت المعلومات حول سبب اندلاع هذا النزاع الدموي، فمن قائل بأن سببها هو النزاع القديم حول الأراضي الزراعية المختلف حول تبعيتها لمحلية السنوط أم محلية النهود، ومن قائل بل أن سببها يعود لنهب ابل أحد التجار ما دفع (الفزع) للاشتباك مع المجموعة المتهمة بنهبها، الأمر الذي أدى لتوسع دائرة النزاع على طريقة (آل غزية)، وفاقمت وسائل التواصل الاجتماعي من حالة الاحتقان ببثها للشائعات واثارة الفتن عبر خطاب الكراهية بطريقة (المديدة حرقتني)، وقد ظلت للأسف هذه المواقع تلعب هذا الدور الخطير في كل النزاعات والاختلافات الناشبة سواء كانت سياسية أو قبلية واجتماعية وصارت نقمة بدلا من أن تكون نعمة وباتت تلعب دور مؤجج الشر بدلا من أن تكون (محضر خير)، ما يتطلب سرعة معالجة وضعها ولجم تفلتاتها..
لا يهمني هنا سبب هذا النزاع أيا كان، بقدر ما يهمني أن يروح ضحيته شخص واحد دعك من هذا العدد الكبير، ألا يوجد بين هؤلاء المتقاتلين أهل حكمة ورشاد يسترشد بهم، أم تراهم جميعا مثل آل غزية اذا غوت قبيلتهم غووا كلهم، ألا يستحون ويخجلون من حالهم هذا حين يتأملون حال قبائل السودان الأخرى في الشمال والوسط، التي لم يحدث قط أن احتربت فيما بينها، فلماذا هم وحدهم من بين قبائل السودان الأخرى من يخوضون تلك الحروب المهلكة، ماهي هذه الاختلافات الخطيرة جدا والعصية على أي حل التي تبيح لهم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، هذا والله حال مؤسف وتعيس وبئيس لا مبرر له على الاطلاق …صحيح يمكن أن تقع اختلافات ويمكن أن تتقاطع مصالح ويمكن أن تحدث مظالم، ولكن كل هذا لا يبرر وقوع تلك الحروب الدامية مهما كان حجم الاختلاف والمظالم، فمثلها وربما أسوأ وأخطر منها يمكن أن يقع بين قبائل أخرى وفي مناطق أخرى من السودان، ولكنهم لا يخوضون من أجلها الحروب المميتة وانما يستعينون على حلها بالصبر والحكمة والحوار، أما عند أهلنا في الغرب فالأمر غير، إذ لا يطل صباح ولا تغرب شمس دون نزاع كارثي وقتال دامٍ حتى أدمنت تلك الأصقاع الصراعات العبثية بنتائجها المدمرة، وكأنما اختلف أهلها وأبناؤها في كل شيء ولم يتفقوا إلا على افناء بعضهم ودمار أرضهم ولأتفه وأبسط الأسباب، يتقاتلون فيما بينهم حتى يخيل إليك أن هدفهم الذي أجمعوا عليه هو تخريب ديارهم بأيديهم وإلحاق الأذى والضرر بها، يموت الآلاف وينزف مئات الآلاف، ويجف الزرع والضرع وينتشر الهلع ويعم الحزن، ودورة القتال ما تزال دائرة، وكأنها دوري منافسات مثل دوري كرة القدم الذي تتنافس فيه الفرق الرياضية، اليوم القبيلة الفلانية ضد القبيلة العلانية، وغدا مباراة أخرى حامية الوطيس، وهكذا دواليك تستمر طاحونة العنف والموت بهذا الأسلوب العبثي بين القبائل فيما بينها، بل وهناك قتال بيني داخلي يدور بين خشوم بيوت القبيلة نفسها، فالى متى هذه الحروب العبثيةالتي يخسر فيها الكل ولا رابح فيها لو كانوا يتعظون..