كان الحديث في البدء يدور همساً في الجلسات الخاصة عن مرتبات دولارية يصرفها من اختارهم رئيس الوزراء حمدوك للعمل معه بمكتبه، ورغم ان هذه الشنشنات كانت في تقديري قد طرقت آذان المعنيين بها، من مستشارين وتنفيذيين يعملون مع حمدوك، الا ان أحداً منهم لم ينزعج من الشنشنة ويتصدى لها، اما لتأكيدها وتوضيح حقيقتها أو نفيها جملة وتفصيلا وانما تدثروا بصمت مريب، ولعل هذا الصمت هو ما جعل من الشنشنة حقيقة، وقد تعرض بسببها العاملين مع حمدوك لوابل من الانتقادات واتهامهم بعدم الوطنية دعك من الطعن في ثوريتهم، كونهم يتقاضون مرتباتهم بالدولار، في ظل الشح الكبير في الدولار الذي تعاني منه الحكومة التي يفترض انهم صاروا جزءا منها، بل ذهب البعض الى ابعد من ذلك باتهامهم بأنهم يستبدلون دولارات مرتباتهم بالسوق الاسود وليس بالاسعار الرسمية، واستمرت التهمة قائمة دون نفي أو توضيح، بل كادت ان تتعزز بالخطاب المفبرك الذي تم تداوله بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، وملخص هذا الخطاب المدسوس كان يتحدث عن اصدار وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي قرارا بإيقاف صرف رواتب العاملين بالدولة بالعملة المحلية (الجنيه)، وان هذا القرار يشمل حتى العاملين بمكتب رئيس الوزراء د .عبدالله حمدوك، وايضا لم ينبري أي واحد من العاملين بمكتب حمدوك لتفنيد ودحض هذا الخطاب المفبرك، وكان من تصدى للشائعة المفبركة هو ديوان الحسابات القومي التابع لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، وسارع الديوان لإصدار منشور نفى فيه صدور أي توجيه منه بصرف مرتبات موظفي الدولة وموظفي مكتب رئيس الوزراء ومستشاريه ومكتبه الإعلامي بالجنيه اعتبارا من شهر فبراير، وأن الديوان لا علاقة له بالمنشور المتداول في مواقع التواصل، وابسط دليل على فبركته انه يحمل توقيع مديره السابق يحيى يوسف، واعتبر الديوان أن هذا المنشور يستهدف بشكل واضح مؤسسات الدولة، مناشدا المواطنين بعدم الانسياق وراء الشائعات والخطابات الملفقة التي تطعن في خاصرة الثورة، وأعلن عن اتخاذه إجراءات قانونية عبر نيابة جرائم المعلوماتية لمتابعة مصدر هذا المنشور ومقاضاته، وما فعله ديوان الحسابات في تصديه السريع للفبركة، كان هو ما يفترض ان يفعله قبله موظفو مكتب حمدوك منذ اللحظة الاولى التي شاعت فيها معلومة تقاضيهم مرتبات دولارية..
والمؤسف حقا ان هؤلاء الموظفين من مستشارين وتنفيذيين بمكتب حمدوك لم يوضحوا حقيقة مرتباتهم حتى تاريخ اليوم، وكان من سعى للوقوف على الحقيقة بعض من لفت انتباههم منشور ديوان الحسابات الحقيقي، وتوصلوا عن طريق مصادر مأذونة وعليمة لحقيقة هذه المرتبات الدولارية، اذ اكدت لهم هذه المصادر ان كل المسؤولين والعاملين بالحكومة يتقاضون مرتباتهم وبدلاتهم بالجنيه، ولا يوجد واحد منهم يتقاضى مرتبه بالدولار شاملا ذلك رئيس الوزراء وكل الطاقم الوزاري، وما كان يشاع عن مرتبات دولارية كانت تخص فقط بعض الخبراء السودانيين الذين يشغلون وظائف دولية في الامم المتحدة والاتحاد الاوربي استقطبهم حمدوك للعمل معه، وكان ان تعاونت هذه المنظمات والمؤسسات الدولية مع حمدوك في اطار حماسها لدعم الفترة الانتقالية، وذلك باتخاذها قرارا بمواصلة صرف مرتباتهم واعتبارهم منتدبين منها للعمل مع الحكومة السودانية طيلة فترة عملهم فيها، وعليه تبقى حقيقة المرتبات الدولارية انها خاصة فقط بهذه الفئة التي تتلقى مرتباتها من منظماتهم الدولية ولا يكلفون الخزينة العامة مليما واحدا..تلك هي الحقيقة التي لا ادري لماذا تقاعس مكتب حمدوك عن توضيحها رسميا للرأي العام.