*قبل فترة نفذ سكان حي الهدى بشرق النيل وقفة احتجاجية على إنشاء محطة للوقود في شارع فرعي ضيق وسط الحي، وعلى بعد أمتار قليلة من منازلهم، ثم رفعوا اعتراضهم لاحقاً إلى معتمد المحلية ووالي الولاية بلا جدوى.
*بقيت المحطة العشوائية في مكانها، وتسببت في إغلاق الشوارع الداخلية للحي، وازدادت معاناة السكان من تكدس السيارات والشاحنات وسط المنازل، وامتدت المعاناة إلى الجانب الأمني، بحدوث سرقات منزلية متكررة، تورط فيها عاملون في شاحنات تمضي ليلها كله مصطفةً في محطة الخدمة، سعياً للحصول على الجازولين.
*الزحام والإزعاج والسرقات تتقاصر أمام الخطر المحدق بالمنطقة، لأن حدوث أي حريق في المحطة المذكورة سيتسبب في كارثة تهدر أرواح العشرات، تبعاً لسماح السلطات بتفريغ تناكر الوقود نهاراً، بغياب كامل لأبسط اشتراطات الأمن والسلامة.
*لاحقاً حدثت واقعة نهب مسلح بحضوري في تلك المحطة، استخدمت فيها دراجة نارية وأسلحة بيضاء، وتمت مطاردة المجرمين وسط الحي، وسط صراخ النسوة والأطفال.
*تلك الصورة المقلوبة تمتد لأحياء عديدة في عاصمة البلاد ومعظم مدن الولايات، حيث يتم التصديق لإنشاء محطات الوقود كيفما اتفق، بالمجاملة والمحسوبية والرشاوى أحياناً، لتشكل خطراً ماحقاً على سلامة المواطنين.
*من تابعوا فاجعة مصنع سيراميك الخرطوم بحري ذكروا أن تانكر الغاز اشتعل وانفجر وحلَّق في الهواء مسافة ثلاثين متراً، قبل أن يسقط على عدد من السيارات الصغيرة، ويحيلها إلى حطام.
*تخيلوا معي ما قد يحدث لو تكررت تلك الفاجعة وسط حي سكني يضم عشرات الآلاف من البشر.
*معظم محطات الوقود تخلو من أي تجهيزات كافية لمكافحة الحرائق، ولا تتم مراجعتها بواسطة سلطات الدفاع المدني، لإلزام أصحابها بإعداد العدة لأي طارئ، يحدث حال اندلاع حرائق تعددت وتنوعت في الفترة الأخيرة.
*تتم المراجعة الصورية بواسطة نظاميين ينتمون إلى قوات الدفاع المدني، يحملون أجهزة تحصيل إلكتروني، ويتجولون بها في المرافق العامة والخاصة والأسواق، ويدخلون في مساوماتٍ مهينةٍ (للميري) الذي يرتدونه، تستهدف تخفيض الرسوم، ويختمون جولاتهم بتقديم تقارير صورية، أو وهمية لصاحب المؤسسة التي يتولون تفتيشها.
*يجمعون رسومهم ويذهبون إلى حال سبيلهم، تاركين الملاحظات السالبة التي رصدوها بلا معالجة آنية، ولا متابعة لاحقة، تستهدف التأكد من تطبيق الضوابط المطلوبة للحفاظ على السلامة.
*الهدف من تلك الممارسة المشوهة الجباية، لا الحماية.
*في كل مدن سودان الإهمال تتحرك شاحنات ضخمة تشبه القنابل الموقوتة نهاراً، لتنقل الوقود إلى الطلمبات، وتعبر الجسور، وتسير جنباً إلى جنب مع آلاف السيارات الصغيرة، وتتحرك في شوارع مزدحمة بالبشر، لتهدد السلامة العامة، وتؤذن بتجدد الكوارث كل حين.
*وفي كل الدول التي تحترم آدمية مواطنيها، وتجتهد لحمايتهم يتم إلزام شاحنات نقل الوقود والغاز بالتحرك آخر الليل، بمتابعة لصيقة من سيارات الشرطة، درءاً للحوادث، ومنعاً للحرائق، وتقليصاً للخسائر حال حدوث أي طارئ.
*نسأل سعادة الفريق شرطة الطريفي إدريس وزير الداخلية، والفريق أول عادل بشائر المدير العام لقوات الشرطة، ما الصعب المعقد في نقل تلك التجربة إلى السودان؟
*إلى متى يموت الناس في بلادنا حرقاً، مثلما حدث للمنكودين الذين تعرضوا للشواء حتى تفحموا في أحد مصانع السيراميك بالخرطوم بحري، بعد أن تأخر حضور سيارات الإطفاء إلى موقع الحادث، أكثر من تسعين دقيقة؟