بعد الإنتهاء من تحديد أسماء مرشحي مجلس السيادة الخمس إضافة للعضو رقم 6 المتفق عليه من قبل المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير امس الاول، وبعد آداء الجميع القسم امام رئيس القضاء (المختلف حوله)، لم يتبق سوى الإعلان بشكل رسمي وشعبي حقيقي نابع من القلب، عن بداية مرحلة جديدة من تاريخ السودان السياسي، وهي المرحلة التي يتمنى لها الجميع ان تكون مرحلة بناء الثقة بين مكونات الشعب وبين القاعدة والقيادة ، مرحلة تحقيق العدالة وبسط سلطة القضاء وتمكين السلام ليعم ربوع الوطن الجريح بعد طول حروب ودماء.
ومن المفترض ان يؤدي رئيس الوزراء الجديد للحكومة الانتقالية (القسم) امام رئيس المجلس السيادي بعد وصوله إلى ارض الوطن، ولكن هل هذا كل شئ؟ وهل هذا كل ما سنتهي عليه الحال رغم الإحتجاجات هنا وهناك من قبل البعض ممن لم يعجبهم الإتفاق بشكله الحالي، مؤكد الإجابة ببساطة شديدة هي (لأ)، فقد تجاوز الاختيار الكثيرين مما كانوا يرون أنهم الأحق والاجدر بالتمثيل في الحكومة الانتقالية (رغم انها حكومة إنتحارية بكل المقاييس)، وهناك من لم يعجبه ان يضع ممثلوهم أيديهم في أيد المتهمين بارتكاب جرائم القتل والاغتصاب اتي حدثت خلال اشهر الثورة، وأيضا هناك من لم يعجبه الاتفاق من (حزب الشنافين)، وهؤلاء الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب كما يقول المثل، وهم للاسف ليسوا بالقلة التي نتصورها، وهم الاعلى صوتا في وسائل التواصل الاجتماعي وجميعنا يعلم ذلك، والشواهد لا تعد ولا تُحصى، لذا فالمطلوب من القوى السياسية التي تولت الترتيب للفترة الانتقالية الإلتزام بما إتفقت عليه وتواثقت عليه في إعلان الحرية والتغيير الذي آمن به الشارع وصار له عقيدة، خاصة تجمع المهنيين، وذلك منعا لإحداث شرخ جديد في الثقة بين المواطن وقوى إعلان الحرية والتغيير بمكوناتها الكثيرة، ومنعا لحدوث شدَ وجذب بين مكونات الكيان الواحد كما ظهر ذلك في العشوائية التي إتسم بها ترشيح خماسي المجلس السيادي وتأخير إعلان تسميته حتى وقت متأخر من ليل أمس الاول.
المطلوب الآن وبعد الانتهاء من الجزء الاول من مستويات الحكم وهو السيادي، تحكيم صوت الضمير والعقل في إختيار وزراء الحكومة وفق ماهو منصوص عنه، خاصة وأن عدد الوزراء سيكون 20 عضوا، إضافة إلى تباين الوزارات ورغبة كل مكون في تسمية مرشحيه دونا عن بقية المكونات الأخرى، وهو الأمر الذي سيحدث دون شك بلبلة وسط الشارع قبل قوى إعلان الحرية والتغيير وتنسيقيتها، والعنترية التي أظهرتها بعض الأحزاب وتحدَت بها الشارع والاحزاب الاخري في تنصلها عن ميثاقها بالبعد عن المحاصصات، ولجوئها لإدخال عناصرها الحزبية الصارخة رغم انف الجميع داخل المجل السيادي، يؤكد الانانية المفرطة التي تتصف بها والعقلية التي تعمل بها وتسعى بها لإدارة الدولة مستقبلا.
مع إحترامي لبعض الاحزاب المشاركة في قوى إعلان الحرية والتغيير، إلا أن بعض الاحزاب عالية الصوت والمحدثة للجلبة في الوسائط في العادة عضويتها لا تتجاوز أصابع اليد، ورغم ذلك تسعى لتحديد مصير 40 مليون مواطن، فهل يعقل ذلك؟ بالتأكيد لأ ، فالشعب الذي خرج وصرخ في وجه الطاغية قادر على ان يخرج في وجهها ويلقي بها في غيابة التاريخ.
الحكمة مطلوبة، والعنترية مرفوضة، كفاءات ذات سمعة طيبة ومهنية عالية وخبرات جيدة وإنضباط سلوكي وأخلاقي (غير منتمية سياسيا) هو مخرجنا مما نحن فيه، وبوصلتنا نحو المدنية التي ننشد، ليعود السودان مرة أخرى للساحة الدولية بعد غياب 30 عاما عجاف.